العالم مطالب بتنفيذ التزاماته لوقف الإبادة الجماعية

21 ديسمبر 2025

https://mezan.org/assets/uploads/media-uploader

يدين مركز الميزان لحقوق الإنسان بأشد العبارات استمرار الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحق المواطنين من خلال الإستهدافات المتكررة للنازحين في مراكز الايواء والخيام وتجمعات المدنيين، ما أسفر منذ بدء سرييان اتفاق وقف إطلاق النار عن استشهاد (401) مواطناً، وإصابة (1108) آخرين، أغلبهم من الأطفال والنساء. كما يندد المركز باستمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر ما يفاقم من الأزمة الإنسانية، واستمرار تهجير وتكديس المدنيين في مناطق جغرافية ضيقة وفي ظروف غير إنسانية، ويطالب المجتمع الدولي بضرورة التدخل لحماية أرواح المدنيين وضمان إلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وفتح المعابر دون قيود.

وبحسب المعلومات الميدانية، فقد كانت آخر تلك الجرائم، المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي مساء يوم الجمعة الموافق 19/12/2025، بحق النازحين في مدرسة شهداء غزة في حي التفاح شرق مدينة غزة، من خلال استهدافهم بالقصف وإطلاق النار ما تسبب في استشهاد 5 مواطنين غالبيتهم من الأطفال والنساء. في حين أعلن الدفاع المدني أن الاستهداف كان متواصلاً لعدة ساعات حتى جرى السماح للدفاع المدني وسيارات الإسعاف من الدخول إلى المدرسة وانتشال الشهداء، وكان غالبية الشهداء من الأطفال.[1]

أفاد المواطن (ك.د) من سكان حي التفاح شرق مدينة غزة، سمعنا أصوات قصف متكرر وتحليق لطائرة (كواد كابتر) وأصوات آليات عسكرية تتحرك، وحصل قصف شديد، بعدها سمعنا أحد الجيران يقول إن القصف استهدف مدرسة فيها نازحين في محيط سكننا، عندها قررت الانتقال فوراً إلى منطقة تل الهوى غرب مدينة غزة عند أحد أقاربنا، خوفاً من الاجتياح المفاجئ في ساعات الليل، فقوات الاحتلال تطلق النار صوب المنازل السكنية بشكل مستمر، وأكثر من مرة تتقدم آلياتها نحونا ونهرب، فأنا لدي أطفال ووالدي ووالدتي كبار في السن لا نستطيع التحرك بهم بسهولة، ونحن في حالة قلق دائم.

وتواصل سلطات الاحتلال فرض عراقيل كبيرة أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خاصة تلك المتعلقة بالوقود والمستلزمات الطبية العاجلة لا سيما الأجهزة الطبية والمعدات اللازمة للمستشفيات. فحجم المساعدات التي يسمح بدخولها لا يغطي سوى نسبة ضئيلة جداً من الاحتياجات اليومية. ويحتاج القطاع إلى أكثر من 600 شاحنة يومياً وفق ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن ما يدخل فعلياً لا يتجاوز متوسط (170) شاحنة يومياً. وتجدر الإشارة إلى أن نحو 80% من الشاحنات التي يسمح لها بالدخول مخصصة للتجار، وليست للإغاثة، وتباع حمولتها في أغلب الأوقات بأسعار مرتفعة جداً، وهو ما يعجز المواطنون عن تحمله في ظل الفقر المدقع.

هذا وأفاد التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي بأن أكثر من 500 ألف شخص واجهوا مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد "الطارئ" (المرحلة 4 من التصنيف) وأكثر من 100 ألف شخص يعانون من ظروف كارثية (المرحلة 5)، خلال الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر. ووفقاً للتصنيف واجه حوالي 1.6 مليون شخص (77% من السكان الذين شملهم التقرير) إجمالاً مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة 3 أو أعلى من التصنيف).[2]

ورغم التحسن النسبي في تصنيف الأمن الغذائي والزيادة في المساعدات الإنسانية منذ وقف إطلاق النار، فإن هذه المساعدات لا تزال تقتصر على تلبية الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة. في المقابل، ما زالت البنية التحتية والخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والصرف الصحي والسكن غير كافية لتلبية احتياجات المواطنين ومازالوا تحت ظروف قاسية خاصة مع دخول فصل الشتاء والمنخفضات الجوية المتواصلة.

صرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لقد تراجعت المجاعة، ويستطيع عدد أكبر بكثير من الناس الحصول على الغذاء الذي يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة. وأضاف  ليحزنني أن أرى الحجم المستمر للمعاناة الإنسانية في غزة، فالعائلات تتحمل ما لا يطاق، ويجبر الأطفال على النوم في خيام غمرتها المياه، وتنهار المباني التي تضررت بالفعل بسبب القصف تحت وطأة الأمطار والرياح، ما يحصد المزيد من أرواح المدنيين[3]

وحتى الآن، تواصل قوات الاحتلال عرقلة دخول الخيام ومواد التدفئة اللازمة للنازحين، كما تمنع إدخال المعدات الثقيلة المطلوبة لرفع الأنقاض، وتمنع إدخال المواد والمعدات اللازمة لإصلاح آبار المياه وخطوطها، وشبكات الصرف الصحي، وإزالة آلاف الأطنان من النفايات المتراكمة حول المناطق السكنية ومخيمات النزوح المكتظة، ما يضع المدنيين أمام تهديد مباشر بانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، ويشكل خطراً حقيقياً على حياتهم.

وقد ارتفع عدد الوفيات نتيجة البرد والمنخفضات الجوية خلال الأسبوعين الماضيين إلى (13) حالة وفاة، آخرها الطفل الرضيع سعيد اسعيد عابدين يبلغ من العمر شهر نتيجة البرد الشديد.[4] وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن المنظومة الصحية في قطاع غزة تعاني من عجز كبير في الأصناف الدوائية وتسجل أعلى مستوى منذ عامين، كما يستمر منع الاحتلال إدخال الإمدادات الطبية والوفود التخصصية.[5] وتوفي أكثر من ألف مريض بين يوليو 2024 و28 نوفمبر 2025 أثناء انتظارهم للإجلاء الطبي من غزة، ورغم خروج عدد من المرضى إلا أن العدد الذي يحتاج للإجلاء كبير جداً، وتتدهور حالتهم صحياً وفقاً للأوضاع الكارثية في قطاع غزة.

صرح عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، ما يجري في قطاع غزة يمثل إبادة جماعية مستمرة، حيث يحرم المدنيون من الحماية وسط الهجمات الإسرائيلية المستمرة، ويحرمون عمداً من أبسط مقومات الحياة، من خلال منع إدخال مواد المأوى والتدفئة والرعاية الصحية والغذاء والمياه النظيفة، والمجتمع الدولي مطالب بتنفيذ إلتزاماته لوقف هذه الإبادة وضمان وصول المساعدات دون عوائق، وحماية حق الإنسان في هذه البقعة الصغيرة من العالم في الحياة والكرامة.

وتستمر إسرائيل في منع دخول النقد إلى قطاع غزة، مما تسبب في استمرار أزمة السيولة الخانقة داخل قطاع غزة، ويجبر المواطنون على دفع نسب مرتفعة جداً تصل إلى نحو 30% عند سحب الأموال من حساباتهم عبر التطبيقات البنكية أو الوسطاء المحليين. وقد أدى هذا الوضع إلى استمرار تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وتفاقم الأوضاع المعيشية، في وقت تغلق فيه أبواب العمل والإنتاج أمامهم.

مركز الميزان لحقوق الإنسان يؤكد أن استمرار هذه الجرائم، بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، وما يرافقها من حصار وتجويع واستمرار التهجير قسري، يشكل امتداداً لحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، وتتحمل مسئوليتها قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تدفع نحو المزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية، ويحذر في الوقت نفسه من حدوث كارثة أعمق تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان إذا لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل فاعل لإنقاذ حياة الأبرياء.

وعليه فإن مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي، لا سيما الأمم المتحدة، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الرابعة، ومحكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية، بالتدخل الفاعل والضغط على قوات الاحتلال لوقف جميع أشكال الهجمات العسكرية على المدنيين وممتلكاتهم، وفتح جميع المعابر بشكل فوري ودون قيود، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والوقود والمعدات الطبية ومواد الإغاثة لا سيما مواد الإيواء، وتسهيل وصولها إلى جميع المناطق دون استثناء، وتمكين الفرق الهندسية والبلديات من الوصول إلى مختلف المناطق لإعادة بناء شبكات المياه والصرف الصحي ورفع الأنقاض وإزالة النفايات.