في اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية

6 نوفمبر 2025

https://mezan.org/assets/uploads/media-uploader

يصادف يوم الخميس الموافق 6 تشرين ثانِ/ نوفمبر "اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية"، الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة كمناسبة يلقى من خلالها الضوء كل عام على الأضرار اللاحقة بالبيئة جراء الحروب والنزاعات المسلحة، وذلك لأن الصراعات تحصى عادة بالخسائر البشرية والمادية، وتغيب البيئة كضحية صامتة، حيث تدمر المزارع والأشجار وتلوث الأجواء وآبار المياه وتحرق المحاصيل وتقطع الأشجار وتسمم التربة وتقتل الحيوانات؛ لتحقيق مكاسب العسكرية[1].

تأتي المناسبة هذا العام في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، التي تدخل عامها الثالث على التوالي، وبالإضافة إلى استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي للبشر والحجر والشجر وأوجه الحياة كافة، استهدفت بالتوازي مكونات البيئة الطبيعية (الهوائية والمائية والترابية) بالقصف، والتدمير، والتجريف، والتلويث، وتستخدم كميات كبيرة من القنابل والصواريخ المتطورة وشديدة الانفجار، التي تستهدف شبكات المياه والصرف الصحي، وشبكات تجميع مياه الأمطار، ومكبات النفايات وأماكن تجميعها، والمعدات المخصصة لجمعها ونقلها والتخلص الآمن منها، ومحطات التخلص الآمن من النفايات الطبية والخطرة.

وتسبب ذلك النهج المتواصل في تراكم كميات كبيرة من الكتل الخرسانية للمنازل السكنية والمنشآت المدمرة، وكميات كبيرة جداً من النفايات الصلبة، كما دمرت التربة والأراضي الزراعية، ومزارع تربية الحيوانات والدواجن، وطال التلوث الهواء والمياه، وأحدث القصف تلوثاً سمعياً جراء التواجد الدائم للطائرات المختلفة في سماء قطاع غزة، حيث تصدر أزيزاً غير منقطع يخلق حالة من التوتر لدى السكان بشكل دائم، ونتيجة لذلك أمسى القطاع في أُتون كارثة بيئية حقيقية [2]. 

وتؤكد المعلومات وآخر البيانات، أن معدل استهلاك الفرد في قطاع غزة للمياه تراجع إلى 3- 5 لترات/ في اليوم فقط، في حين أنّ نسبة المياه التي لا تنطبق عليها معايير منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة بلغت حوالي (97%) من إجمالي المياه المتوفرة للسكان من الخزان الجوفي، وأن ما نسبته 86% من مرافق وأصول المياه والصرف الصحي خرجت عن الخدمة بشكل كلي أو جزئي.

ودمرت قوات الاحتلال (1,545 كم) من شبكات الصرف الصحي بشكل كلي و(8.6 كم) بشكل جزئي، ودمرت (20) مضخة مياه كلياً و(27) مضخة جزئياً، ما تسبب في تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع والأماكن العامة وفي مياه البحر[3]. وتتضاعف الأزمة في ظل منع وصول كميات كافية من الوقود اللازم لتشغيل مضخات الصرف الصحي، ومحطات المعالجة ومضخات المياه، واستمرار قطع التيار الكهربائي، ما خلق بيئة مولدة للآفات والقوارض والأمراض التي تهدد الصحة العامة والبيئة.

وتشير المعلومات إلى زيادة المخاطر الناجمة عن النفايات الصلبة، حيث ينتج سكان قطاع غزة حوالي 2000 طن يومياً، تشكّل كارثة حقيقية إذا ما لم يتم التخلص منها بطرق سليمة تحافظ على البيئة والصحة العامة حتى في ظل الحرب. علماً أن البلديات وجهات الاختصاص تجمع النفايات في مكبات عشوائية مؤقتة، في ظل منعها من الوصول إلى المكبين الرئيسيين الموجودين في القطاع (مكب جحر الديك شرق مدينة غزة، ومكب الفخاري بخان يونس).

ويُقدّر إجمالي كميات النفايات المتراكمة في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية بحوالي (710,000) طن من النفايات المتنوعة، كنفايات المنازل، والمخلفات البشرية، ونفايات الصرف الصحي والنفايات الطبية الخطرة، تنتشر في (190) مكب عشوائي مؤقت غير مؤهل، معظمها بين السكان وفي الأحياء السكنية وعلى مقربة من مراكز الإيواء ومخيمات النازحين. وهو ما يعتبر سبباً رئيساً لانتشار الأمراض والأوبئة والحشرات والقوارض، وهي مشكلة بيئية تهدد سكان القطاع وتهدد المستقبل البيئي. تجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت ما مجموعه (141) آلية، و(3,876) حاوية، من منظومة النفايات الصلبة في قطاع غزة[4].

وتظهر المعلومات أن قوات الاحتلال دمرت التربة في قطاع غزة جراء القصف والتجريف وتراكم أطنان الركام، لا سيما التربة الزراعية التي تسيطر على معظمها في ظل سيطرتها على أماكن واسعة من قطاع غزة، حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر 2025. وكشف تحليل جديد أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، أنّ دماراً واسع النطاق لحق بالأراضي الزراعية وآبار الري وغيرها من البنى التحتية الزراعية في قطاع غزة، حيث يصل حجم الدمار إلى ما يقرب من 87% في أواخر أيلول/ سبتمبر من هذا العام، مما يؤثر بشكل أكبر على قدرة غزة على استدامة إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية[5].

ويؤثر دخان القذائف والصواريخ، والرماد الناتج عن تدمير المنازل السكنية والمنشآت العامة والصناعية خلال الحرب؛ على الجهاز التنفسي للإنسان، خاصة تلك الجزيئات والجسيمات المتواجدة في مكونات الإسمنت، حيث تتراكم في الرئتين، ما يضر بصحة الإنسان على المدى الطويل، ويؤدي إلى الإصابة بسرطان الجهاز التنفسي، ويضاعف من معاناة أصحاب الأمراض ذات المناعة الهشة لا سيما الربو وغيره من الأمراض. 

مركز الميزان لحقوق الإنسان يشدد على استنكاره الشديد لاستمرار استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي أسلحة مدمرة ومتنوعة ضد السكان والأعيان المدنية ومكونات البيئة الفلسطينية خلال حرب الإبادة الجماعية.

وعليه؛ فإنّ مركز الميزان لحقوق الإنسان، يطالب:

1.    بضرورة تحرك المجتمع الدولي لإنهاء حرب الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة، وحماية المدنيين وممتلكاتهم، وضمان إنهاء حالة الحصانة والإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم من الإسرائيليين، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ومحكمة العدل الدولية.

2.    تدخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، من أجل تشكيل وإرسال لجنة دولية مختصة للتحقيق في جريمة الإبادة البيئية واستخدام البيئة في الحروب والصراعات، وتفحّص آثار الأسلحة المستخدمة في قصف المناطق الزراعية والمناطق المكتظة بالسكان، على التربة والمزروعات والهواء، والمياه الجوفية، وانعكاس ذلك على حياة الإنسان والحيوان، والتحقق من دورها في الارتفاع الملحوظ لحالات الإصابة بالأوبئة والأمراض الخطيرة في قطاع غزة.

3.    المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في الإبادة البيئية الحاصلة باعتبارها تُشكل جريمة حرب بموجب الفقرتين (4/أ) و(2/ب) من المادة (8) الواردة في نظام روما المنشئ للمحكمة.

4.    فتح المعابر على وجه السرعة وإدخال المواد الضرورية والمعدات اللازمة لقطاع المياه والصرف الصحي، لا سيما الكلور والفلاتر الخاصة بمحطات التحلية وقطع الغيار والمعدات الضرورية، وإدخال المواد والمبيدات اللازمة لمكافحة الحشرات والقوارض. والسماح للطواقم الفنية التابعة لمجلسي الخدمات المشتركة في شمال وجنوب قطاع غزة من الوصول إلى مكبي النفايات الرئيسيين في قطاع غزة وإعادة تشغيلهما. 

انتهى

 



[1] الأمم المتحدة، اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، الرابط: https://www.un.org/ar/observances/environment-in-war-protection-day .

[2] لمزيد من المعلومات راجع تقرير إبادة البيئة، 2024، الرابط: https://www.mezan.org/report.htm/post/46521 .

[3] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة المياه الفلسطينية، بيان صحافي، 19/3/2025. الرابط: https://www.pcbs.gov.ps/portals/_pcbs/PressRelease/Press_Ar_WWD2025A.pdf .

[4] الميزان، تقرير إبادة البيئة، مرجع سابق.

[5] الأمم المتحدة، تضرر نحو 87% من الأراضي الزراعية، 31/10/2025، الرابط: https://news.un.org/ar/story/2025/10/1143652 .