20 يوليو 2024
إبادة التعليم في قطاع غزة في سياق الإبادة الجماعية
تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة للشهر العاشر على التوالي، وتواصل ارتكاب المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين في جميع مناطق القطاع، حتى في المناطق التي ادعت أنها إنسانية وآمنة وأمرت السكان بالتوجه إليها، وتستخدم قنابل ذات قدرة تدميرية عالية في استهداف التجمعات السكانية والأعيان المدنية، بهدف إيقاع أكبر الخسائر في صفوف المدنيين وممتلكاتهم، إذ بلغ عدد الشهداء ممن وصلوا المستشفيات منذ شهر أكتوبر 2023، وحتى الآن (38,584) شهيداً، و(88,881) مصاباً، كما تقدر الجهات الرسمية عدد المفقودين بما يزيد عن (10,000) شخص.[1]
وبشكل ممنهج، تدمر البنى التحتية التي لا غنى عنها لحياة السكان، من محطات وآبار مياه، وشبكات صرف صحي، وطرق وشبكات الكهرباء، والأراضي الزراعية، والمرافق العامة من مستشفيات، ومقرات البلدية والدفاع المدني، والمدارس ورياض الأطفال والجامعات، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتستهدف مزودي المساعدات والخدمات دون اكتراث للمواثيق والمعاهدات الدولية، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، وقرارات محكمة العدل الدولية الخاصة بالتدابير الاحترازية لمنع جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وتكريساً لجريمة الإبادة الجماعية، فإنها تحاول القضاء على كل سبل الحياة في قطاع غزة، وعلى ما تبقى من قطاعات مهمة للسكان، كقطاع التعليم وكل مكوناته كالمدارس والمراكز والمقرات التعليمية والجامعات، وحتى الطلاب والمعلمين وجميع العاملين في هذا القطاع، ولم يستثني الاستهداف المرافق التعليمية سواء كانت تتبع لوزارة التربية والتعليم أو لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو حتى الأهلية والخاصة.
ومنذ اليوم الأول للعدوان، توقفت العملية التعليمية في كافة المستويات، في الجامعات والمدراس والمراكز التعليمية والتدريبة، وتحول عمل المدراس من أماكن تعليمية إلى مراكز إيواء يستخدمها السكان النازحين الذين هُجروا من منازلهم قسراً، ومع ذلك لم تتوان قوات الاحتلال عن استهداف هذه المدارس والمنشآت وهي مكتظة بالنازحين، لتوقع المئات من الشهداء والمصابين، حتى وإن كانت المدرسة أو المنشأة تتبع لهيأة دولية كالأمم المتحدة وترفع علمها.
بلغ عدد المدارس في قطاع غزة في بداية العام الدراسي 2023/2024، (803) مدرسة تشغل (550) مبنى مدرسي، علماً أن بعض مدارس قطاع غزة تعمل لفترتين أو أكثر بسبب الازدحام والنقص في الأبنية المدرسية، موزعة كالتالي: (448) مدرسة حكومية، و(288) مدرسة تتبع لوكالة الغوث الدولية "الأونروا"، و(67) مدرسة خاصة[2].
وبلغ عدد الطلبة في مدارس قطاع غزة في بداية العام الدراسي 2023/2024 حوالي (625,000) طالب وطالبة، موزعين حسب جهات الإشراف في المدارس الحكومية (305,000) طالب وطالبة، و(300,000) طالب وطالبة في مدارس وكالة الغوث[3]، و(21,000) طالب وطالبة في المدارس الخاصة.
في حين بلغ عدد المعلمين في مدارس قطاع غزة حوالي (22,000) معلم ومعلمة، منهم (12,000) في مدارس الحكومة و(9,300) آلاف في مدارس وكالة الغوث، و1,300 معلم ومعلمة في المدارس الخاصة.[4] كما بلغ عدد الطلبة المسجلين لدى الجامعات في قطاع غزة (88,000) طالب وطالبة مسجلين في (19) مؤسسة تعليمية من الجامعات والكليات الجامعية، أما عدد العاملين في التعليم العالي (5100) عامل.[5]
ويوجد في قطاع غزة (620) روضة أطفال ملتحق فيها عدد (68,392) طفلاً. كما أن عدد المربيات في تلك الروضات يبلغ (3,427) مربية وعدد الشُعب الدراسية بلغ (2,765) شعبة. كما افتتحت وزارة التربية والتعليم شعبة الصف التمهيدي في المدارس الحكومية وبلغ عدد هذه الشعب في عام 2022-2023 (14) روضة حكومية وعدد الطلاب الملتحقين بها (403) طفل.[6]
ذكر الأستاذ فريد أبو عاذرة، مدير عام التعليم في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في مقابلة مع مركز الميزان، أن الأونروا في غزة تضم (300,000) طالب وطالبة، (298,363) ملتحقون بمدارس الأونروا ضمن مراحل التعليم الأساسي، إضافة إلى (1,865) ملتحقون ببرامج التدريب المهني. ووفقاً لتقارير الأونروا فإن هناك العديد من الشهداء والجرحى والمفقودين بين الطلاب والكادر التعليمي، لكن حتى الآن لم تتوفر إحصائيات دقيقة حول العدد الإجمالي للضحايا. بينما تشير آخر التقارير إلى استشهاد 197 موظف أونروا. كما أن ثلثي مدارس الأونروا في غزة قصفت منذ بدء الحرب.[7]
وتدير الأونروا (188) مبناً تعليمياً، تعرضت غالبيها لأضرار مختلفة، كما هو موضح في الجدول التالي[8]:
مستوى التدمير |
عدد المباني |
استهداف مباشر |
76 |
أضرار بليغة |
42 |
أضرار متوسطة |
34 |
أضرار طفيفة |
12 |
غير معروفة |
24 |
المجموع |
188 |
وتضم المدارس الحكومية (305,000) طالب موزعين على (448) مدرسة، دمرت قوات الاحتلال منها (285) مدرسة بشكل كامل، وقتلت (9,000) طالب وطالبة، من المستوى المدرسي والجامعي، وأصابت (14,000)، من بينهم ما يقارب (3,000) طالب وطالبة أصبحوا من ذوي الإعاقة. وقتلت (400) معلم ومعلمة في المدارس، و(100)[9] من كوادر الجامعات.[10]
مقابلة مع أ. صادق الخضور، الناطق باسم وزارة التربية والتعليم
في حين بلغ عدد الطلاب الجامعيين في قطاع غزة (88,000) ألف طالب وطالبة، ملتحقين في (19) جامعة وكلية ومعهد تتبع للتعليم العالي، دمرت قوات الاحتلال أكثر من 80٪ من مباني تلك الجامعات، [11]كما هو موضح في الشكل التالي:[12]
المؤسسات التعليمية |
عدد المباني المدمرة |
|
تدمير كلي |
تدمير جزئي |
|
الجامعة الإسلامية |
10 |
7 |
جامعة الأزهر |
5 |
18 |
جامعة الإسراء |
3 |
0 |
جامعة الأقصى |
1 |
7 |
جامعة فلسطين |
4 |
0 |
جامعة غزة |
1 |
4 |
جامعة القدس المفتوحة |
2 |
3 |
كلية فلسطين التقنية دير البلح |
0 |
4 |
الكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا/ خان يونس |
0 |
6 |
الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية |
0 |
2 |
كليات الأونروا |
1 |
0 |
كلية فلسطين للتمريض |
0 |
1 |
كلية مجتمع غزة للدراسات السياحة |
0 |
1 |
كلية الدعوة وأصول الدين |
1 |
1 |
كلية فلسطين للعلوم والتكنولوجيا |
0 |
1 |
كلية الزيتونة |
3 |
0 |
مركز التدريب التابع لجامعة دار الكلمة |
1 |
0 |
مركز الإعلام التابع لجامعة النجاح |
1 |
0 |
المجموع |
33 |
55 |
لم تتح قوات الاحتلال أي فرصة أمام الطلاب لاستكمال مسيرتهم التعليمية، نتيجة الظروف غير الإنسانية والكارثية التي خلقتها من خلال استهدافها المباشر للسكان والمدارس والجامعات، ومن خلال الحصار وقطع الكهرباء والانترنت، وانكفاء الأسر على إيجاد أدنى مقومات النجاة مثل المياه والغذاء والدواء، والنزوح من مكان لآخر. كما عمدت قوات الاحتلال على تدمير أرشيف وسجلات ووثائق الوزارة والجامعات والمدارس، وقتل معلمين ومحاضرين وأصحاب كفاءات وتخصصات أخرى، وسفر عدد آخر منهم وتواجدهم خارج قطاع غزة، ما سيشكل تحدياً أمام محاولات إعادة قطاع التعليم للعمل كسابق عهده.
رغم جميع محاولات إعادة التعليم سواء كان عن بعد أو بشكل وجاهي ببعض المبادرات الفردية من السكان النازحين أو المعلمين أو المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني، إلا أنها تبقى محاولات تصطدم بحقيقة استمرار حرب الإبادة التي تعطل جميع المبادرات، مثل القصف المتواصل والنزوح المستمر من مكان لآخر، وفقدان الأسرة، والمنزل، والمدرسة، والكتب.
عملت وزارة التربية والتعليم على مساعدة الطلاب والطالبات في العمل بنظام التعليم عن بعد لمن يستطيع الالتحاق سواء داخل غزة أو خارجها، والتحق في جمهورية مصر تقريباً (15) ألف طالب مدرسي[13]، في حين كان من المستحيل على الطلاب من قطاع غزة الالتحاق بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وعدم القدرة على الوصول إلى الإنترنت بشكل دائم، أو شحن هواتفهم. كما أن معظم الطلاب أصبحوا يقضون يومهم في مساعدة أسرهم في توفير مستلزمات الحياة اليومية من تعبئة المياه ونقلها وانتظار ساعات في طابور المياه إلى تجميع الأخشاب للطهي، وإلى العمل من أجل توفير مستلزمات الحياة الأسرية.
الطالب (ر. ن)، في الصف الخامس، في مدرسة تتبع لوكالة الغوث، يقول: أقضي ساعات طويلة في طابور يومي للحصول على الماء، ونقله من مكان بعيد لخيمتنا في مواصي خان يونس، وأبحث عن الحطب لاستخدامه في الطبخ، وأعمل في بيع البسكويت الذي تعده والدتي من أجل شراء احتياجاتنا اليومية. كنت أحتفظ بكتبي المدرسية على أمل استكمال السنة الدراسية، إلا أنني فقدتهم أثناء نزوحنا من مكان إلى آخر.
أنهى الطلبة في فلسطين بمحافظات الضفة الغربية والقدس والخارج، امتحانات الثانوية العامة يوم الخميس 10 يوليو/تموز 2024، وتقدم عدد 1,320 طالب وطالبة من قطاع غزة المتواجدين في جمهورية مصر و24 دولة أخرى في العالم لامتحانات الثانوية العامة عبر سفارات دولة فلسطين في هذه الدول، في حين حُرم (39,000) طالب وطالبة من قطاع غزة من تقديم امتحانات الثانوية العامة، ولم يتمكن الآلاف منهم من السفر بعد سيطرة قوات الاحتلال على معبر رفح وإغلاقه في بداية شهر مايو/أيار من العام الحالي 2024.[14]
طالب الثانوية العامة أدهم داوود، الفرع الأدبي من مدرسة هارون الرشيد بخان يونس، يقول: "لقد انقلب مستقبلي رأساً على عقب، وتحولت أحلامي من أن أكون إنسان متعلم ومستعد لدخول الجامعة، إلى إنسان مهمش بدون مستقبل وأعمل كامل يومي لتوفير المستلزمات الضرورية لعائلتي، كنت أطمح أن أسجل بتخصص هندسة ديكور في الجامعة، ولكن الآن أصبح حلمي أن تنتهي الحرب، وأن أستطيع العودة لمدرستي لأستكمل دراستي".
فتحت وزارة التعليم باب التسجيل الالكتروني للطلاب في قطاع غزة للالتحاق في جامعات الضفة الغربية والتحق في الفصل الدراسي الثاني ما يقارب (20,000) طالب وطالبة، أما في الفصل الصيفي التحق ما يقارب (57) ألف طالب وطالبة، إلا أن هذه الأعداد لا تقارن بمن لم يتمكن من التسجيل، حتى من التحق فإن فرصة استمراره غير مضمونة بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي.
أدى العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة للشهر العاشر على التوالي إلى تدمير المنظومة التعليمية بأكملها، ووضع مئات آلاف الطلبة في جميع المراحل التعليمية الأساسية والعليا، أمام مستقبل مجهول، والأمر لا يقتصر على فقدان السنة الدراسية الحالية وحسب، إلا أن التدمير الممنهج للمنشآت التعليمية والبنية التحتية والمنازل، جعل من الصعب وضع تصور وخطة لإلحاق الطلاب بمقاعدهم الدراسية ما بعد العدوان. كما أن تحويل مدارس الأونروا إلى مراكز إيواء سيعمل على تأخير عملية استئناف الدراسة بعد انتهاء العدوان، وسيزيد الضغط على البنية التحتية التعليمية المتضررة بالفعل، كما سيتطلب بذل جهود كبيرة لإعادة تأهيل المباني وتجهيزها لاستقبال الطلاب مجدداً.[15]
غير أن ما فقده الطلاب لا يمكن تعويضه، وسيؤثر بشكل كبير على تحصيلهم الأكاديمي وتطورهم الشخصي، وعلى احتمالية زيادة نسبة التسرب من المدارس، والتأخر في التقدم الأكاديمي، والتعرض لمخاطر عمالة الأطفال، والزواج المبكر، وتدهور مفاهيم حقوق الإنسان لدى الطفل واهتزاز انتمائه لهويته.[16]
الآثار غير المباشرة للإبادة الجماعية على قطاع التعليم في قطاع غزة:
إن حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي شملت قصف المنازل ومراكز الإيواء على رؤوس ساكنيها دون إنذار مسبق، وقتل وإصابة من فيها، وتدمير مقومات الحياة، تسببت بآثار كارثية على مختلف القطاعات، بما فيها قطاع التعليم.
إن لاستمرار فرض حصار كامل على قطاع غزة، ومنع إدخال الوقود، وقطع إمدادات الماء والكهرباء والمساعدات الإنسانية، واستخدام التجويع كسلاح حرب، واستمرار إصدار أوامر التهجير القسري، آثار نفسية وجسدية كارثية على الأطفال، ستضعف من مقدرتهم على التحصيل العلمي والأكاديمي، خاصة أولئك الذين حرموا من أحد والديهم أو كلاهما، أو فقدوا طرفاً أو أكثر من أطرافهم، أو نتج عن إصابتهم إعاقات دائمة، ناهيك عمن دُمرت منازلهم بكل ما فيها، ولم يتبق لديهم أي مأوى.
الآثار النفسية لحرب الإبادة وأثرها على التعليم:
تتضمن الآثار النفسية العميقة التي يعاني منها الطلاب والمعلمون جراء الأحداث المأساوية التي شهدوها، مثل الاستهداف المباشر، وفقدان الأحبة والمأوى والتهجير الجماعي غير الإنساني، والصراع اليومي المستمر من أجل البقاء، وتفاقم الظروف المعيشية المتردية، ومشاهد القتل والدمار نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 236 يوما، تترك آثاراً نفسية عميقة على أطفال قطاع غزة، يمكن أن يتضمن هذا التأثير تولُد عواطف سلبية لدى الأطفال مثل الخوف والقلق والاكتئاب، والصدمة النفسية بسبب الضغط النفسي المستمر والخسائر المادية والبشرية، مثل فقدان الأقارب أو المنازل. كما يمكن أن يؤثر العدوان على سلوكهم ونمط حياتهم اليومية، مثل تغييرات في نمط النوم والتغذية والعلاقات الاجتماعية. كما قد يتعرض الأطفال للإصابات الجسدية المؤلمة أو فقدان الأحباء، مما يزيد من حاجتهم إلى الدعم النفسي والعاطفي للتعافي من تلك التجارب المؤلمة، وتشير المعطيات أن هناك أكثر من (816,000) طفل في قطاع غزة بحاجة إلى مساعدة نفسية من آثار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.[17]
وكان من ضمن الحالات التي وثقها مركز الميزان والتي تعرضت لصدمة نفسية كبيرة، حالة الطفل محمد وائل يوسف حمدان، (8 أعوام)، من سكان معسكر خانيونس، طالب مدرسة ابتدائي، والذي قام باحثونا بزيارته في المستشفى الذي يتلقى به العلاج في جمهورية مصر.
وفي تفاصيل الحادث: بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، القت طائرات الاحتلال مناشير تأمر السكان بالإخلاء من خانيونس، وبسبب شدة القصف قررت عائلته النزوح إلى محافظة رفح، وخلال انتقاله مع عائلته قصفت قوات الاحتلال الطريق، وأصيب الطفل بتشنجات، ونُقل لمستشفى الأوروبي، وأُدخل غرفة العناية المركزة لمدة (10) أيام. شخص الأطباء حالته بفقدان النطق وفقدان مؤقت بالذاكرة، وتم تحويله بعد ذلك إلى مستشفى العبد في مصر، ومن ثم قرر الأطباء نقله إلى مستشفى عين شمس للمساعدة في تشخيص أدق. تبين إصابته بصدمة عصبية أدت لزيادة الكهرباء في المخ، ويتعرض لتشنجات مستمرة، وأُعطي علاجات للسيطرة عليها، وهو بحاجة إلى رعاية طبية نفسية طويلة.
تشير تقديرات اليونيسف إلى أن ما لا يقل عن (17,000) طفل في قطاع غزة غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم. تتأثر الصحة النفسية للأطفال بشدة، وتظهر عليهم أعراض مثل مستويات عالية للغاية من القلق المستمر، وفقدان الشهية، وعدم القدرة على النوم، ويعانون من نوبات انفعالية أو ذعر في كل مرة يسمعون فيها أصوات الانفجارات.
كانت اليونيسف تقدر أن أكثر من (500) ألف طفل كانوا بالفعل بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في قطاع غزة، واليوم تشير تقديراتها إلى أن جميع الأطفال تقريباً يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، أي أكثر من مليون طفل[18].
كل ذلك سيلقي بظلاله على المسيرة التعليمية في حال وقف عمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال، فالصدمة التي تلقاها الطلاب لا سيما الأطفال جراء مشاهد الدمار والقتل وفقدان أعضاء الأسرة والمعيل، ستؤثر بشكل كبير على تحصيل الطلاب وانتظامهم التعليمي في حال عودة انتظام الدراسة في المستقبل.
تعاني الأُسر في غزة الأمَرين في محاولتهم للحفاظ على سلامة أطفالهم، إلا أن هذا الأمر يزداد صعوبة يوماً بعد يوم مع ارتفاع واشتداد وتيرة القصف، فالعديد من البيوت قد دُمرت، وانتهى المطاف بالكثير من الأطفال تحت الأنقاض، وأصيب أكثر من (9,000) طفل في قطاع غزة، حيث ترك العديد منهم ليصارعوا آلام فقدهم لذراعٍ أو ساق.[19]
الطفلة ليان علي موسي سليمان أبو العطا، (13 عاماً)، من سكان حي الشجاعية شرق غزة، طالبة في المدرسة، من عائلة مكونة من (10 أفراد)نزحنا من الشجاعية إلى دير البلح بسبب شدة القصف وإسقاط مناشير تأمر السكان بالتوجه إلى جنوب وادي غزة، وانتقلنا إلى مدرسة شهداء دير البلح، وهناك كان يتواجد آلاف النازحين، وأقمنا في خيمة من النايلون. عند حوالي الساعة 15:40 من مساء يوم السبت الموافق 02/12/2023، بينما كنت قرب الخيمة وبدون سابق انذار، قصفت طائرات الاحتلال مئذنة مسجد أنس ابن مالك المجاور للمدرسة، ما تسبب بإصابتي في الساق اليمنى. نُقلت لمستشفى شهداء الأقصى بواسطة سيارة للأونروا، وخضعت لعملية جراحية ووضعوا لي بلاتين خارجي، وتضاعفت حالتي الصحية نتيجة إصابتي بالغرغرينا. وبعد حوالي أسبوع وبتاريخ 10/12/2024، حولت للعلاج في مصر، وبسبب خطورة إصابتي على حياتي قرروا بتر ساقي اليمنى من أعلى الركبة، وأنا أعاني أيضاً من شلل في النصف السفلي من الجسم، وما زلت أخضع للعلاج، ولكني لا أعلم كيف سألتحق لاحقاً بمدرستي عند انتهاء الحرب، فأنا لا أستطيع التحرك، ولقد تدمرت حياتي".
في كلمة للمفوض العام للأونروا السيد فيليب لازاريني خلال مؤتمر التعهدات للأونروا، بتاريخ 12/7/2024، أكد على أن التعليم يعتبر أولوية في غزة، حيث يشكل الأطفال نصف السكان، ويقدر الفلسطينيون التعليم تقديراً عالياً، فهو الاستثمار الوحيد الذي لا يمكن حرمانهم منه، وأن أكثر من 625,000 طفل مصاب بصدمات نفسية عميقة هم خارج المدرسة، وكان نصفهم يتوجهون إلى مدارس الأونروا قبل الحرب. واليوم، يقضون أيامهم في البحث بين الأنقاض وانتظار جمع المياه في ظل الحرارة الشديدة، ومعرضون لخطر العنف والاستغلال، بما في ذلك التجنيد من قبل الجماعات المسلحة، وإذا فشلنا في إعادتهم إلى التعلم، فسوف نخسر جيلاً كاملاً ونزرع بذور الكراهية والاستياء والنزاع في المستقبل.[20]
تظهر المعلومات الواردة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف وبشكل منظم المنظومة التعليمية في قطاع غزة من مدارس وجامعات ومرافق تعليمية، وتستهدف الطلاب والكوادر التعليمية بالقتل والإصابة والاعتقال، وتضعهم في ظروف تشكل تهديداً جدياً على حياتهم وسلامتهم الجسدية، وأن عملية التدمير الممنهجة للبنية التحتية الخاصة بالتعليم تهدف إلى تعطيل الدراسة لأطول فترة ممكنة، ما قد يؤثر على مستقبل الطلاب واستقرارهم النفسي.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يؤكد على أن التعليم هو حق أساسي من حقوق الإنسان وهو من الحقوق التمكينية التي تساعد البشر على التخلص من الفاقة والفقر، وأن الممارسات اليومية والجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في إطار حرب الإبادة الجماعية تشكل انتهاكاً جسيماً للمعاهدات والاتفاقيات الدولية بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والقانون الدولي الإنساني الذي حدد وفرض مجموعة من الالتزامات القانونية على دولة الاحتلال، يحظُر بموجبها مهاجمة المرافق التعليمية أو استهداف الطلبة او إعاقة تنمية قطاع التعليم وتطويره، وتشكل الممارسات الإسرائيلية انتهاكات جسيمة ومنظمة ترقى لمستوى جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية.
وعليه، يطالب مركز الميزان لحقوق الإنسان بما يأتي:
[1] التقرير الاحصائي اليومي لوزارة الصحة الفلسطينية – غزة، بتاريخ 15/7/2024.
[2] تصريح صحفي لسلامة معروف بتاريخ 25 أغسطس: https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2023/08/25/1533076.html
[3] وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، بيان صحفي، 27 آب/أغسطس 2023، https://shorturl.at/7KTQt
[4] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الإحصاء الفلسطيني يصدر بياناً صحفياً حول أثر عدوان الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين على الحق في التعليم خلال الفترة 2023/11/11 -2023/10/07
[5] تقرير الانتهاكات الإسرائيلية بحق قطاع التعليم العالي الفلسطيني، وزارة التربية والتعليم العالي، فلسطين، عبر موقعهم الرسمي: https://www.mohe.pna.ps/main.
[6] إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم للعام 2022_2023، عبر موقعهم الرسمي https://www.moe.pna.ps/uploads/20240104134818.pdf
[7] تصريح فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأونروا، عبر الرابط: https://news.un.org/ar/story/2024/07/1132426
[8] نفس المرجع السابق.
[9] ملحق رقم (1) أسماء الشهداء من العلماء، والأكاديميين، وأساتذة الجامعات، والباحثين.
[10] مقابلة مع الأستاذ/ صادق الخضوري، الناطق باسم وزارة التربية والتعليم.
[11] أمجد برهوم، وزير التربية والتعليم العالي في فلسطين، تصريح عبر الرابط: https://www.facebook.com/photo.php?fbid=940864671418804&set=a.667718115400129&type=3
[12] تقرير حول الانتهاكات الاسرائيلية بحق قطاع التعليم العالي الفلسطيني (1/1/2023_16/5/2024)، صادر عن وزارة التربية والتعليم العالي عبر موقعهم، عبر الرابط https://www.mohe.pna.ps/Portals/0/uploads/ViolationsReport.pdf?ver=KHCQcjKn83FfCg1gcS84nw%3d%3d
[13] مقابلة مع الأستاذ/ صادق الخضوري، مرجع سابق.
[14] د. أمجد برهم، وزير التربية والتعليم العالي، مقابلة تلفزيونية مع تلفزيون فلسطين، برنامج ملف اليوم، بتاريخ 10/7/2024، الساعة 10:00.
[15] الأستاذ/ فريد أبو عاذرة، مدير عام التعليم في وكالة غوث تشغيل اللاجئين "الأونروا"، مقابلة لمركز الميزان لحقوق الإنسان.
[16] نفس المرجع السابق.