الجوع ينتشر على نطاق واسع في قطاع غزة، وتزداد العائلات يأسا في بحثها عن الطعام

14 ديسمبر 2023

https://mezan.org/assets/uploads/media-uploader

 14 ديسمبر/كانون الأول 2023

تحذر مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان ومؤسسة الحق من مجاعة حقيقية وغير مسبوقة في قطاع غزة، بدأت ملامحها بوضوح في مدينة غزة وشمالها؛ جراء الهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل منذ 69 يومًا بالتزامن مع حصار مشدد ومنع وصول إمدادات الغذاء والماء، لأغلب سكان القطاع.

وتؤكد المعطيات التي جمعتها طواقمنا، أن عشرات الآلاف من الأسر في قطاع غزة، تمضي يومها كاملاً وعدة أيام دون أي وجبة طعام، وأنهم يتقاسمون الفتات، خاصة في ظل القصور الواضح في توزيع المساعدات الإنسانية المحدودة التي تدخل القطاع، والتي يتركز أغلبها حاليا في رفح، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي البري على خانيونس.

ومن بين 2.3 مليون نسمة يعانون من مشاكل حقيقية في الحصول على الطعام والماء، يواجه موظفونا في قطاع غزة الأزمة ذاتها، حيث أبلغوا عن عدم قدرتهم على تأمين احتياجات أسرهم من المواد الغذائية، فالأسواق والمحال التجارية بعد 69 يومًا من الهجوم الإسرائيلي لم يعد بها بضائع، والمساعدات الإنسانية محدودة  ولا تصل جميع السكان وهي بالأساس تستهدف مراكز الإيواء التي تغض بمئات الآلاف من النازحين/ات، فيما يجري توزيع الطحين بآليات بطيئة جدًا، ولا تزال مئات آلاف الأسر تنتظر نصيبها.

ووفق طواقمنا، فإن الأهالي يضطرون للانتظار ساعات طويلة تمتد لأكثر من 10 ساعات قرب مراكز التوزيع التي تقتصر حاليا على  مدينة رفح دون جدوى.

وتشير مؤسساتنا أن مظاهر الجوع تبرز بوضوح في محافظة شمال غزة ومدينة غزة، حيث يتواجد مئات الآلاف من الفلسطينيين/ات، وأغلبهم عانى من النزوح المتكرر لعشرات المرات تحت وطأة القصف الإسرائيلي والقتل الجماعي، وفي كل مرة ينزحون فيها يضطرون لترك أي أمتعة ومواد غذائية خلفهم .

وباستثناء عدد محدود من شاحنات المساعدات التي دخلت شمال وادي غزة خلال أيام الهدنة الإنسانية، توقف وصول المساعدات تماما إلى محافظة شمال غزة ومدينة غزة بعد انتهائها في 1 ديسمبر/كانون الأول 2023، حيث اشتدت وتيرة القصف والهجوم الإسرائيلي خاصة على جباليا وبيت لاهيا شمال غزة، وأحياء الشجاعية والزيتون شرق غزة، وما رافق ذلك من اشتداد وتيرة الأزمة الإنسانية.

ووفق برنامج الغذاء العالمي، فقد تمكن خلال أسبوع واحد (أيام الهدنة) من إيصال المساعدات الغذائية إلى ما يقرب من 250 ألف شخص شمال وادي غزة، وهذا يعني أنه حتى في أيام الهدنة لم تصل أي مساعدات لمئات الآلاف الآخرين في غزة وشمالها، مع وجود تقديرات بوجود نحو 700-800 ألف نسمة.

ووفق المعلومات التي حصل  عليها طواقمنا، من بعض زملاء العمل، بأن السكان في شمال غزة ومدينة غزة، يعانون من جوع حقيقي، وبعضهم يمضي أياما عدة دون تناول أي وجبة طعام، فلا محال أو أسواق  متاحة، ولا مساعدات إنسانية  متوفرة.

وخلال الأيام الماضية، هاجمت  قوات الاحتلال العديد من مراكز الإيواء المقامة داخل مدارس الإيواء في غزة وشمالها، وسط عمليات إطلاق نار وإعدام ميداني وتنكيل واعتقال، ثم أجبرت من بقي من النازحين/ات على إخلائها وفي الغالب اضطرهم ذلك لترك أي متعلقات لهم بما في ذلك أي مواد تموينية محدودة كانت لديهم مع كل عملية نزوح جديدة، وبعضهم اضطر للنزوح أكثر من 10 مرات متتالية.

كما أن أزمة الجوع تتفشى في جنوب وادي غزة أيضاً، وتتفاوت مستوياتها من منطقة لأخرى، حسب مستوى شدة الهجوم الإسرائيلي، حيث تزداد حاليا المعاناة في خانيونس عن غيرها من المناطق جنوب وادي غزة.

وتلقت مؤسساتنا شهادات، عن توقف توزيع وجبات الطعام في أغلبية مراكز الإيواء التي تديرها الأونروا، وأن الأسر تبحث بشكل فردي بصعوبة عن توفير احتياجاتها.

ووفق متابعة طواقمنا، فإن الأسر التي بقيت في منازلها أو مراكز الإيواء في المناطق التي تشهد  هجوم بري لقوات الاحتلال، محاصرة  داخل تلك المنازل ومراكز الإيواء دون الحصول على أي مساعدات أو إمدادات غذائية، فضلا عن تعرضهم لخطر القصف والاستهداف.

وتؤكد مؤسساتنا أن مئات الآلاف من العائلات غير قادرين على الحصول على الحليب لأطفالهم، فضلا عن مئات الأطفال الذين يتغذون على حليب صحي ذو نوع محدد غير متوفر.

ووفق ما نشره برنامج الغذاء العالمي، فإن 9 من كل 10 أشخاص في أنحاء قطاع غزة يقضون يومًا كاملًا، ليلًا ونهاراً، دون أن يأكلوا أي شيء، مؤكدًا أن خطر الجوع ينتشر على نطاق واسع وتزداد العائلات يأسا في بحثها عن الطعام.

ووفق طواقمنا، فإنه مع نفاد البضائع كافة من الأسواق، يلجأ من لديه نقود من السكان للشراء من بعض الأهالي الذين استلموا مساعدات معينة في الأوقات السابقة ويضطرون لبيعها، ويتم شراء هذه البضائع بأسعار باهظة  جدًا، لا يستطيع أغلب السكان تحمل تكاليفها بعد أكثر من شهرين على الهجوم الإسرائيلي.

 

وقبل الهجوم الإسرائيلي كانت نسبة البطالة 45 % في قطاع غزة، وترتفع إلى قرابة 67 % في أوساط الشباب والخريجين/ات، في حين أصبح الجميع تقريبا دون عمل، وأغلب الذين كانوا يعتاشون على الدخل اليومي كالسائقين وأصحاب صالونات الحلاقة والعاملين/ات في المصانع والمحلات والمخابز والمطاعم أصبحوا بلا دخل حاليا، كما أن غالبية الموظفين/ات العموميين لم يتقاضوا رواتبهم، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من السكان لا يتوفر لديهم أي أموال لشراء الضروريات اليومية الشحيحة التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني.


وينتظر مئات الآلاف داخل مراكز الإيواء المساعدات التي تقدم لهم من الأونروا أو المؤسسات الحكومية العاملة على توزيع المساعدات كوزارة الشؤون الاجتماعية، أو الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية، وهذه المؤسسات تنتظر ليتوفر لديها الغذاء من المساعدات التي تدخل عن طريق المعبر، وبذلك ينتظر السكان  يوم أو يومين أو أكثر من ذلك بكثير حتى يحصلوا على وجبة أو معلبات محدودة يسد بها جوع  أطفالهم.

ووفق طواقمنا، يضطر الناس لحصر الوجبات لوجبة واحدة يوميا نتيجة شح الأموال والمواد التموينية، ويقومون بتجهيزها بعد معاناة شديدة تبدأ بجمع مواد تشعل النار كالحطب والكرتون بديلا عن غاز الطهي المفقود من بداية الحرب. كما تسببت الأجواء الجوية الماطرة والباردة في تفاقم معاناة الناس وغرقت آلاف الخيام بالمياه، ولا يتوفر أي ملابس شتوية للسكان.

وهنا نعيد التذكير بمقولة لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث قال في تصريحات تلفزيونية: "نفرض حصارا كاملا على قطاع غزة، لا كهرباء، لا طعام ولا ماء ولا غاز... كل شيء مغلق"، معتبرا أن كل ذلك ضمن معركة إسرائيل ضد "حيوانات بشرية". ويمثل هذا التصريح إقرارا رسميا معلنا من الحكومة الإسرائيلية بفرض التجويع والتعطيش بالتوازي مع القتل والتدمير، في سلوك يكاد يكون غير مسبوق مع صمت دولي يصل إلى حد التواطؤ.

كما أن قوات الاحتلال قصفت المئات من المخابز والمحال التجارية والمخازن التموينية والأسواق ومزارع الدواجن ودمرت آلاف الدونمات الزراعية، ما يدلل على وجود قرار تنفيذي بحرمان المدنيين/ات من الاستفادة من المواد الغذائية القليلة المتبقية في القطاع وتجويع السكان.

وتظهر كل هذه المعطيات، أن إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، تستخدم التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وهي تستخدمه كأداة للعقاب الجماعي والانتقام من المدنيين/ات، والضغط للحصول على تنازلات سياسية.

وتذكر مؤسساتنا بأن القانون الدولي الإنساني يحظر تجويع السكان المدنيين/ات كأسلوب من أساليب الحرب، كما نصت المادة 54(1) من البروتوكول الأول المحلق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي تصنف على أنها جزء من القانون الإنساني الدولي العرفي.[1] 

وأمام هذا الواقع الكارثي، تضع مؤسساتنا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء عملية تجويع ممنهجة تستهدف 2.3 مليون إنسان، وتطالب بفتح ممرات إنسانية آمنة وإيصال المساعدات لجميع أرجاء قطاع غزة، دون أي شروط.

وتؤكد مؤسساتنا، أن المدخل الأساسي لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية هو التحرك الجاد والفوري لوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وحماية المدنيين/ات داخله، وحماية الفلسطينيين/ات من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة، واتخاذ إجراءات فعالة لضمان المساءلة على جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ومجمل الانتهاكات التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة.


[1] أنظر القاعدة 53 من القواعد العرفية.