الإنتفاضة في أرقام

1 يناير 2004

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكها المنظم لحقوق الإنسان، كما واصلت ارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، المخصصة لحماية المدنيين في زمن الحرب، في تعاملها مع السكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الوقت نفسه يتواصل تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه التي أقرتها الشرعية الدولية، ممثلة في قرارات الأمم المتحدة، لاسيما حقه في تقرير المصير، بالرغم ما يتعرض له من جرائم، منذ مطلع القرن الماضي.
وفي الوقت الذي تمثل فيه انتفاضة الأقصى محطة جديدة من محطات نضال الفلسطينيين من أجل استرداد حقوقهم، فهي تشكل مرحلة أخرى من مراحل معاناتهم، في ظل قسوة قوات الاحتلال واستهدافها المنظم للمدنيين وممتلكاتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الوقت الذي تميزت فيه ممارسات قوات الاحتلال بالقسوة البالغة، وانتهاكها المنظم لمبادئ القانون الدولي الإنساني ولمعايير حقوق الإنسان.
فقد تميزت هذه الانتفاضة عن غيرها من مراحل نضال الفلسطينيين، بالجهد التوثيقي الكبير، الذي رافق هذه الانتهاكات والجرائم.
فأصبح لدى منظمات حقوق الإنسان وجهات الاختصاص الرسمية قواعد بيانات، وملفات توثق لهذه الجرائم بشكل يراعي المعايير القانونية، ويستند إلى معايير حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
الأمر الذي يوفر للباحثين والمختصين أرقام وإحصاءات دقيقة، تمكنهم من دراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لهذه الجرائم.
كما أنها تشكل دليلاً يرشد مقدمي المساعدات الإنسانية والخدمات المختلفة للضحايا والمتضررين من هذه الجرائم.
وتبرز الأهمية القصوى لهذا التوثيق في بعده القانوني، الذي يوفر ملفات بمقدورها أن تدين إسرائيل والإسرائيليين كمجرمي حرب، أمام أي محكمة دولية محايدة لجرائم الحرب، في حال توفر مناخ ملائم لذلك على الصعيد الدولي.
وهذا أمر قد يكون واقعياً على المدى البعيد، بالنظر إلى ما تحدثه بشاعة الجرائم الإسرائيلية من تغير في مواقف شعوب العالم ودولهم المختلفة، الأمر الذي يعطي هذا التوثيق قيمة إضافية.
عليه وفي سياق نشاطه الدؤوب في رصد وتوثيق جرائم قوات الاحتلال، دأب مركز الميزان لحقوق الإنسان على تزويد الجهات المختلفة بنتائج حصيلة رصده وتوثيقه، ومن زاوية تعميم الفائدة أكثر، ينشر المركز إصداره الثاني تحت عنوان الانتفاضة في أرقام، الذي يضع فيه خلاصة رصده وتوثيقه للأضرار التي لحقت بالمدنيين وممتلكاتهم - في قطاع غزة - جراء الجرائم الإسرائيلية، خلال ثلاث سنوات من عمر انتفاضة الأقصى.
وتشير معطيات هذا التقرير إلى أن قوات الاحتلال استخدمت القوة المميتة هادفة إلى إيقاع أكبر عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الشهداء في محافظات غزة (1133) شهيداً من بينهم (297) طفلاً دون سن الثامنة عشر من العمر، خلال ثلاثة أعوام من عمر الانتفاضة، على الرغم من عدم تعرض محافظات غزة للاجتياح الكامل.
ومارست تلك القوات الاغتيالات والتصفيات الجسدية والقتل خارج نطاق القانون والقتل التعسفي، بل وامتدح قادة الاحتلال عمليات القتل هذه[1]، يذكر أن (117) فلسطينياً قتلوا جراء هذه الاغتيالات، ثلاث وثلاثون منهم مستهدفين، ما يؤكد عشوائية القتل وعدم اكتراث تلك القوات لحياة المدنيين الفلسطينيين.
كما أن نسبة الذين قتلوا فور الإصابة بلغت 76% من بين الشهداء، في حين أعاقت تلك القوات إسعاف نحو 32.
7% من هؤلاء الشهداء وقصفت قوات الاحتلال الأعيان المدنية بشكل منظم وشامل، بحيث طال عدوانها المنشآت كافة، ويبرز التقرير أن عدد المنازل المدمرة في محافظات غزة بلغت (3929) منزلاً من بينها منازل تعرضت للقصف أكثر من مئة مرة، في حين تم تدمير (285) منشأة صناعية، و (345) محلاً تجارياً، (167) منشأة عامة، من بينها (79) منشأة تتوزع بين المدارس ودور العبادة والمنشآت الصحية، هذا باستثناء مراكز الأمن والشرطة الفلسطينية.
واستهدفت قوات الاحتلال مصادر عيش السكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال حملات التجريف للأراضي المزروعة، حيث بلغت مساحة الأراضي المجرّفة في محافظات غزة (23162.
810 دونماً)، كما استهدفت آبار المياه حيث بلغ عدد الآبار المدمرة (199 بئراً).
ويتجاوز أثر هذه الجرائم المزارعين وأسرهم ليطال المجتمع الفلسطيني برمته.
وفرضت تلك القوات حصاراً داخلياً عزل المحافظات الفلسطينية عن بعضها بعضاً، وعزل المدن عن قراها ومحيطها، كما أعاقت تلك القوات حرية الحركة والتنقل وحرمت العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم.
واستهدفت المركبات الفلسطينية بأنواعها المختلفة، حيث دمرت تلك القوات (372 مركبة)، كما فرضت حصاراً خارجياً حرم الفلسطينيين من حقهم في حرية السفر والتنقل، ما ألقى بظلال قاتمة علة مجمل حقوق الإنسان بالنسبة للسكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وساهم في زيادة حجم الخسائر الاقتصادية، التي تكبدها الاقتصاد الفلسطيني.