تقارير و دراسات

الأبعـاد الاقتصاديـة والإجتماعيـة فـي موازنات السـلطة الوطنيـة الفلسـطينية(غزة/ فلسطين، يونيـو 2002)

    شارك :

1 يونيو 2002

حظيت الحقوق السياسية والمدنية للأفراد ومازالت بالاهتمام والتحليل المتزايد من قبل المؤسسات المجتمعية المحلية (الوطنية) المختلفة وكذلك الدولية.
وبقيت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محل خلاف في مدى أهميتها مجتمعة أو منفردة على المستوى المحلي والدولي.
تميز نشاط المنظمات غير الحكومية بهيمنة العمل في مجال الحقوق السياسية والمدنية، دون عمل فاعل للحقـوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو النظرة الدونية من حيث الأهمية.
إن الوقت قد حان لتناول هذه الحقوق بالاهتمام الذي يتناسب وأهميتها، حيث أنها تمثل الحقوق الطبيعية الأصيلة للإنسان، وكذلك أكثرها التصاقاً بمدى تطور حياته الإنسانية.
إذا كانت الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين يستند في تحديدها وتطبيقها ومدى التمتع بها إلى الدستور ومدى تطبيقه ومبدأ سيادة القانون والسواسية أمامه وكذلك القضاء واستقلاله.
فإن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يرتكز في تحديدها وفهم آلياتها إلى مدى اهتمام الدولة بها إقراراً لها في الدستور أولاً كحق، ثم التأكد من مدى التزامها بذلك الحق ثانياً.
ذلك الأمر الذي لا يظهر إلا من خلال تحليل الموازنة العامة للدولة، لمعرفة كيفية توزيع وموضعة الدولة للمصادر العامة.
هذا وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عهدا دوليـا خاصاً بالحقـوق الاقتصـادية والاجتمــاعية والثقافية في تـاريخ (16/12/1966), والذي بدأ العمل به بتاريخ (3/1/1976).
 وأقرت الدول الأطراف في هذا العهد بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة، ومن حقوق متساوية وثابتة تشكل وفقا للمبادئ المعلنة من ميثاق الأمم المتحدة أساساً لإحقاق الحرية والعدالة والمساواة في العالم.
وأن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك كي يكون البشر أحراراً ومتحررين من الخوف والفاقة والفقر، هو تهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
 ومن هذه الحقوق حق الفرد في التمتع بمستوى معيشي وصحي مناسبين، ومسكن ضمن بيئة صحية نظيفة، حقه في التعليم والعمل، وحقه في المساواة في الأجر لنفس العمل، وكذلك حقه في التأمين والضمان الاجتماعي.
ومن أهم ما تشمله هذه الحقوق أيضا حماية الفئات الضعيفة اجتماعياً مثل النساء والأطفال وذوي الحاجات الخاصة.
إن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنمية المستدامة يدعمان بعضهما البعض.
فالتنمية لن تتحقق إذا كانت التشريعات والقوانين لا تساوي بين الأفراد في المجتمع الواحد، من حيث توزيع المصادر العامة والتمتع بالخدمات الأساسية.
ومن ناحية أخرى، إن تزايد تمتع المواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يقوي ويدعم ركائز مبادئ حقوق الإنسان ويوفر لها من يدافع عنها بوعي واقتدار.
تعتبر الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية والثقافية لمجتمع ما، انعكاساً مباشراً للسياسات المالية والاقتصادية المطبقة في هذا المجتمع، وكذا مؤشراً على مدى نجاعتها.
وينطبق هذا وبشكل واضح على المجتمع الفلسطيني، مع مراعاة الخصوصية الفلسطينية المتعلقة بممارسات الاحتلال أو سياسات السلطة الفلسطينية الخاصة في هذا المجال.
ومع استمرار المؤشرات المعبرة عن التردي في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية، فإن هذا يستلزم وقفة جادة بهدف معرفة العوامل والأسباب والخطوات، التي يمكن من خلالها الحد من تدهور هذه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
واقتناعا منا بأهمية المشاركة المجتمعية في إعداد الموازنات العامة، ستكون هذه الدراسة بداية لسلسلة دراســات أخرى من هذا النـوع سيتم إعدادها تحت عنـوان: 'الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية'.
وسوف تستند هذه الدراسات في فهم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكامنة وراء مدى تمتع المجتمع الفلسطيني بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على تحليل الموازنة العامة على قاعدة الحقوق آنفة الذكر.
وذلك من أجل تزويد المجتمع بأوسع قطاعاته بالمعلومات والتحليلات المعتمدة واللازمة لإثارة الحوار والنقاش حول بنود الموازنة.
وذلك من أجل التأثير على طريقة تحديد بنودها وكذلك الخطط والبرامج والمشاريع المقترحة للتنفيذ ومدى ارتباطها بالتزام الدولة بحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك عملية الإقرار.
ثم العمل مع الجمهور بكل أطره ومؤسساته على تحشيد القوى ومجموعات الضغط اللازمة من أجل تعديل أو تطوير أو حتى إقرار بعض هذه الحقوق.
ومن ثم دفع الدولة باتجاه إيلائها المزيد من الاهتمام والعناية، بحيث تفرد لها مكاناً وحجماً مناسبين عند توزيع المصادر العامة والتمويل.
إن الموازنة العامة تعكس ما تفعله الدولة أو ما تنوي فعله.
وهي ترجمة بمعايير ومصطلحات مالية لحركة إقرار وتنفيذ خطط وبرامج ومشاريع الدولة التنموية من حيث التطبيق العملي.
وعليه فالموازنة من أكثر الآليات الاقتصادية أهمية في الدولة حيث تعكس أولويات سياسة البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من حيث ترجمتها إلى مصروفات وضرائب.
كما أن الموازنة وتحليلها يزود المواطن بمنطق قوي وواضح وعقلاني في حواره حول حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الدولة بكل قطاعاتها وأجهزتها التنفيذية منها والتشريعية والقضائية وبنفس لغتها الكمية.
لذا ما يهمنا هنا في تحليل الموازنة العامة للدولة هو العملية المالية الاقتصادية حيث (المصادر وموضعتها وتوزيعها)، وعلاقتها المتداخلة مع العملية السياسية (التنافس بين المجموعات المختلفة على تلك المصادر المحدودة).
وهذا النسيج كله والعملية الإدارية من حيث (التخطيط والتحكم والتنسيق والمتابعة والتقييم).
هذا التحليل للموازنة العامة في جله من المفترض أن يدار من خلال رؤية حقوقية قانونية إنسانية، تلقي الضوء على مدى التزام الدولة واهتمامها بهذه الحقوق، وكذا مدى تمتع المواطن بها.