يصدر هذا التقرير بعد مضي قرابة عامين على الانتخابات التشريعية الثانية للسلطة الوطنية الفلسطينية، التي جرت في الخامس والعشرين من شهر كانون ثاني/يناير 2006.
وقد شهد العامان الماضيان أحداثاً وتطورات كثيرة، وقدر للتجربة الديمقراطية الفريدة فلسطينياً وعربياً، أن تكون نقطة تحول مفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث دخل بعدها في دوامة صراع سياسي طاحن ظل يتصاعد حتى دخل طوره الأكثر دموية في تشرين أول/أكتوبر 2006 عندما بدأت جولة ضارية من الاقتتال الداخلي الفلسطيني، تبعتها جولات عديدة، وصولاً إلى الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس في الرابع عشر من حزيران/يونيو 2007.
إن هذا التقرير وهو يسعى للإلمام والإحاطة بواقع الحركة العمالية ونقاباتها منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى نهاية عام 2007، لا بد وأن يتطرق إلى الواقع السياسي الداخلي بما فيه من تجاذبات وصراعات، لا بهدف تناولها بذاتها، بل يحاول في جانب من جوانبه أن يرصد انعكاس الواقع السياسي الذي ساد طوال السنوات التي يغطيها التقرير، وعلى وجه الخصوص منذ الانتخابات التشريعية الثانية، على واحدة من أهم البنى المؤسساتية في المجتمع، ألا وهي النقابات العمالية، التي تفاعلت بهذا القدر أو ذاك مع المتغيرات السياسية الداخلية وتأثرت بها.
شهد العمل النقابي تطوراً ملحوظاً منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، سواء على صعيد بنية الجسم النقابي العمالي في قطاع غزة، حيث تم تأسيس عدد من النقابات العمالية الجديدة، أو على صعيد تجديد هيئات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في محافظات غزة والنقابات العمالية بصفة عامة، بعد أن عُقدت مؤتمرات انتخابية لجميع النقابات العمالية وللاتحاد العام، تم فيها انتخاب هيئات إدارية جديدة.
كما شهدت هذه الفترة، أثناء وبعد حسم حركة حماس العسكري في قطاع غزة في 14/6/2007، استيلاء القوة التنفيذية التابعة لحكومة السيد إسماعيل هنية المقالة على المقر الرئيس للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين ومقراته الفرعية في كافة المحافظات والتي تشتمل على مقرات النقابات العمالية المنضوية ضمن الاتحاد، إضافة إلى مكاتب ومقرات جميع المؤسسات التي تتبعه، وقامت بمصادرة كافة موجودات هذه المقرات من أجهزة وأدوات ومكاتب ووثائق وأرشيف، ومن ثم عهدت الحكومة المقالة بملف الاتحاد العام والنقابات العمالية إلى لجنة تسيير أعمال تتشكل بصفة أساسية من الكتلة الإسلامية العمالية، وهي الإطار النقابي العمالي التابع لحركة حماس.
يتطرق التقرير للعمل النقابي العمالي بشكل عام، وفي فلسطين وقطاع غزة على وجه الخصوص، والمكانة الحقوقية للعمل النقابي في الشرائع والمواثيق الدولية، ومواضع تميزه عن العمل النقابي المهني، وصولاً إلى التوسع في البحث في واقع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في محافظات غزة وكافة النقابات العمالية العاملة في القطاع، من حيث الأداء والإنجازات والمعيقات التي تواجهها، عبر دراسة ميدانية سيتم استعراض نتائجها في الفصل التاسع من هذه الدراسة.
تجدر الإشارة إلى أن عملية جمع المعلومات للدراسة الميدانية كانت عملية عسيرة، بسبب الظروف التي يعيشها كل من الاتحاد العام والنقابات اليوم، بعد حرمانهم من استخدام مقراتهم ومحتوياتها بما في ذلك الوثائق والأرشيف العمالي، الأمر الذي كاد أن يجعل من عملية الوصول إلى بيانات صحيحة ودقيقة أمراً متعذراً لولا تعاون النقابيين وتجاوبهم الطيب، ونخص بالذكر النقابيان إلياس الجلدة وسلامة أبو زعيتر والسيد مصطفى شحادة مدير عام علاقات العمل في وزارة العمل، لهم ولكل من ساعد في إنجاز هذا التقرير جزيل الشكر والعرفان.
يهدف هذا التقرير إلى رصد واقع النقابات العمالية والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين من حيث البناء الهيكلي والأداء وسير العملية التنظيمية الداخلية والعضوية وأهم الإنجازات وأبرز المشكلات والأزمات التي واجهت الحركة النقابية العمالية الفلسطينية في قطاع غزة، منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 حتى نهاية عام 2007، مركزا بشكل خاص على فترة العامين الآخرين كونهما شهدا تحولاً كبيرا في المشهد السياسي الفلسطيني مشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفوزها بالأغلبية فيها.
وسيحاول التقرير الإجابة على السؤالين المركزيين التاليين: ما هو واقع حال النقابات العمالية والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في محافظات غزة؟.
هل يؤدي كل من الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في محافظات غزة والنقابات العمالية دورهما النقابي, ارتباطاً بمفاهيم ومعايير العمل النقابي ووفق محددات ومبادئ اتفاقيات منظمتا العمل الدولية والعربية؟.
وفي النهاية يضع التقرير مجموعة من التوصيات والمقترحات التي نأمل أن تكون مدخلاً لنقاش بناء حول موضوع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين – محافظات غزة، والنقابات العمالية العامة في قطاع غزة