تقارير و دراسات

ورقة حقائق بعنوان الصحافة هدف للإبادة تتناول انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحافيين الفلسطينيين والعاملين في حقل الإعلام خلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة

    شارك :

25 سبتمبر 2024

أيلول/ سبتمبر 2024

مقدمة

يواجه الصحافيون الفلسطينيون والعاملون في حقل الإعلام* مخاطر كبيرة خلال عملهم الصحافي في الأراضي الفلسطينية، جراء تعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدافهم، لترهيبهم ومنعهم من القيام بواجبهم المهني في نقل الحقيقة، وفضح جريمة الإبادة الجماعية، واستهداف المدنيين، وممتلكاتهم العامّة، والخاصّة. وما يعزز القناعة بتعمد استهداف الصحافيين ووسائل الإعلام؛ هو استمرار حظر سلطات الاحتلال دخول وكالات الصحافة الأجنبية أو مراسليها، بعد مضي ما يقارب عام على جريمة الإبادة الجماعية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الحروب[1].

وتستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام، وعائلاتهم وممتلكاتهم ومعداتهم، على الرغم من وضوح شارة الصحافة، وارتدائهم ما يظهر طابع عملهم الصحافي، وحملهم معدات صحافية ظاهرة كالكاميرات ونحو ذلك، واستخدامهم مركبات تحمل شارة الصحافة (PRESS) أو (TV). كما وتهاجم مقرات وسائل الإعلام والمنشآت الإعلامية باختلاف أنواعها، مرئية، أو مقروءة، أو مسموعة، أو إلكترونية؛ في انتهاك واضح لقواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان التي تحظر استهداف الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام بوصفهم مدنيين، وتحمي حرية التعبير عن الرأي، وتداول المعلومات ونشرها وإشاعتها.

توضّح الورقة أبرز الانتهاكات المرتكبة بحق الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام، وأعداد الشهداء* والمعتقلين، من خلال الأرقام والجداول والأشكال التوضيحية، وتنتهي بخلاصة وتوصيات. وتعتمد المعلومات الواردة في الورقة على عمليات الرصد والتوثيق الأولية، والتي سيسعى المركز إلى استكمالها بعد انتهاء العدوان حرب الإبادة.

وتأتي الورقة في اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني الذي يصادف السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر من كل عام، والذي أعلنه الاتحاد الدولي للصحافيين بعد أحداث انتفاضة النفق في العام 1996م. وتتزامن المناسبة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي شهدت قتل واصابة مئات الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام، واعتقال العشرات منهم، ورغم المخاطر الشديدة التي تواجههم يواصلون القيام بواجبهم المهني والأخلاقي في نقل الحقيقة للعالم.

ضحايا حرب الإبادة الجماعية من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام:

ينشط الصحافيون والعاملون في حقل الإعلام خلال الأحداث بحكم طبيعة عملهم، ويحرصون على تغطية أحداث جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتشير المعطيات الميدانية إلى أنهم تحولوا إلى أهداف عسكرية بالرغم من الحماية المكفولة لهم في المواثيق الدولية. يظهر الرسم البياني (1) أدناه أعداد الضحايا من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام من الشهداء والجرحى* والمعتقلين.

 

الرسم البياني (1)

الشهداء حسب مكان سكنهم:

يظهر الرسم البياني (2) أدناه، توزيع الشهداء من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام حسب مكان سكنهم في محافظات قطاع غزة الخمس.

الرسم البياني (2)

تُظهر المعلومات أن محافظة غزة أكبر منطقة شهدت انتهاكات بحق الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام بين محافظات القطاع خلال حرب الإبادة الجماعية، حيث بلغ عدد الشهداء فيها ما نسبته (45.8%) كونها المحافظة الأكبر من حيث مساحة وعدد السكان، تليها المحافظة الوسطى بنسبة (16.4%)، وجاءت محافظة الشمال في المرتبة الثالثة بنسبة (16%)، ثمّ محافظتي خان يونس ورفح بالنسبة نفسها (10.9%).

الشهداء حسب مكان استشهادهم:

يظهر الرسم البياني (3) أدناه، توزيع الشهداء من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام حسب مكان استشهادهم.

الرسم البياني (3)

توضّح المعلومات في الرسم البياني (3) اختلاف الأرقام بعض الشيء بالنسبة لعدد الشهداء وفقاً لمكان الاستشهاد والحدث، حيث لا تزال محافظة غزة تحتل المرتبة الأولى بنسبة (34.5%)، وهذا يشير إلى حجم وتصاعد الانتهاكات في المحافظة، وجاءت المحافظة الوسطى في المرتبة الثانية بنسبة (22.6%)، ثمّ محافظة الشمال بنسبة (17.7%)، فمحافظة خان يونس بنسبة (15.9%)، وفي المرتبة الخامسة محافظة رفح بنسبة (9.3%).

الشهداء حسب طبيعة العمل:

يظهر الرسم البياني (4) أدناه توزيع الشهداء من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام بحسب طبيعة عملهم الصحافي، لتبيان الفئات العاملة في هذا المجال.

الرسم البياني (4)

تُظهر الورقة أنّ الضحايا من المصورين الصحافيين هي الفئة الأعلى بين الصحافيين المستهدفين والضحايا بنسبة (33.5%)، ثمّ تأتي فئة المراسلين الصحافيين لوسائل الإعلام المختلفة ثانياً بنسبة (29.8%)، ثمّ العاملين في مجال التحرير الصحافي بنسبة (12.5%)، وبعد ذلك يأتي الكتاب الصحافيين بنسبة (10.9%)، ثمّ فئة المذيعين في الإذاعات المحلية بنسبة (4.6%)، ثمّ فئة مقدمي البرامج الإعلامية والفنيين (الصوت والصورة والأستوديوهات الإعلامية) بالنسبة نفسها (4.1%)، وأخيراً تأتي فئة المخرجين الصحافيين بنسبة (0.5%).

ويُعزى ارتفاع نسب الشهداء من المصورين والمراسلين الصحافيين إلى كونهم الأكثر تواجداً في الميدان لمتابعة الأحداث، لذا فهم الأكثر عرضة للاستهداف. فيما استشهد الصحافيون من الفئات الأخرى جراء قصف منازلهم أو أماكن قريبة منها كبقية المدنيين الفلسطينيين في القطاع.

الشهداء حسب نطاق عمل المؤسسات الإعلامية:

تصنّف الورقة الشهداء من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام بحسب نطاق عمل مؤسساتهم الإعلامية، سواء على الصعيد المحلي الفلسطيني أو على الأصعدة الإقليمية أو الدولية، لتأكيد عمومية الاستهدافات للصحافيين العاملين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية.

الرسم البياني (5)

تبيّن المعلومات في الرسم البياني (5) أنّ العدد الأكبر من الشهداء الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام يعملون في وسائل إعلام فلسطينية محلية، حيث بلغت نسبتهم (92.2%)، ثم جاء العاملون في وسائل الإعلام الإقليمية بنسبة (6.3%)، وأخيراً جاء العاملون في وسائل الإعلام الدولية بنسبة (1.5%). جميع هؤلاء الصحافيين هم فلسطينيون، بسبب منع الاحتلال دخول الصحافيين الأجانب إلى القطاع منذ بداية الحرب وعدم إصدار تصاريح العمل لهم.

الشهداء حسب الانتهاك مسبب الإصابة:

يظهر الرسم البياني (6) أدناه توزيع الشهداء حسب طبيعة مسبب القتل أو الإصابة، وتنوع ذلك بين القصف الجوي المباشر، إطلاق النار، والقصف المدفعي.

الرسم البياني (6)

تُظهر المعلومات في الرسم البياني (6) أنّ العدد الأكبر من الشهداء قتلوا جراء القصف الجوي المباشر لهم أو لمنازلهم السكنية أو لأماكن تواجدهم أو نزوحهم بنسبة (95.8%). وجاء من استشهدوا جراء القصف إطلاق النار بنسبة (3.7%)، وأخيراً جاء من ثبت أنهم استشهدوا جراء المدفعي بنسبة (0.5%).

كما تفيد المعلومات التي جمعها باحثو المركز أنّ (29) صحافياً وعاملاً في حقل الإعلام من مجموع الشهداء؛ قتلوا في ميدان العمل خلال التغطية الصحفية. وهو ما يعزز القناعة بتعمد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لهم سواء أكانوا في الميدان أو في منازلهم أو في أماكن النزوح أو في المناطق المدنية. 

المعتقلون في سجون الاحتلال الإسرائيلي:

يوضّح الرسم البياني (7) أدناه عدد المعتقلين من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام[2] وتوزيعهم حسب محافظة السكن. وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلتهم من منازلهم أو من الأماكن التي تواجدوا فيها، أو من أماكن الأحداث كالمستشفيات، أو خلال مرورهم على الحاجز التي أقامته قوات الاحتلال عند عزل شمال غزة عن جنوبها.

الرسم البياني (7)

تفيد المعلومات التي تمكن باحثو مركز الميزان من جمعها أنّ عدد المعتقلين في السجون الإسرائيلية (33) صحافياً، كانت محافظة غزة صاحبة النصيب الأكبر من حيث عدد المعتقلين بنسبة (60.6%)، ثم محافظة الشمال بنسبة (27.2%)، ثم تأتي خان يونس بنسبة (9.1%)، ثم محافظة الوسطى بنسبة (3.1%)، فيما لم تسجل محافظة رفح أي حالات اعتقال لصحافيين أو عاملين في مجال الإعلام.

ويتعرّض الصحافيون والعاملون في حقل الإعلام كغيرهم من المعتقلين المدنيين للتعذيب خلال مراحل اعتقالهم، ويجدر التنويه أن الرقم المذكور هو لمن تأكد اعتقالهم وزارهم محامو المؤسسات الحقوقية، أو أفرج عنهم.

ومن الجدير بالذكر أن صحفيين اثنين هما: نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد فقد أثرهما قرب معبر بيت حانون بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلال تغطيتهم للأحداث الميدانية، ولا تتوفر عنهم أي معلومات حتى اللحظة.

الخلاصة والتوصيات

تؤكد الورقة أنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت انتهاكات جسيمة ومنظمة بحق الصحافيين الفلسطينيين والعاملين في حقل الإعلام. وشكّل تكرار الهجوم على الصحافيين دليلاً واضحاً على تعمد استهداف الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام.  ويشير الاستهداف المتعمد والمتكرر ومنع سلطات الاحتلال وسائل الإعلام الأجنبية ومراسليها من الدخول إلى قطاع غزة إلى أن الهدف من وراء الهجمات المنظمة على الصحافيين هو طمس الحقيقة ومنع وإعاقة نقل أحداث العدوان للرأي العام الدولي.  

ارتكبت قوات الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة انتهاكات خطيرة لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، لاسيما نص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحمي الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الوصول إلى المعلومات وتداولها ونشرها.

كما ارتكبت أيضاً انتهاكات الجسيمة ومنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولاسيما الحماية التي توفرها اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تفرض على دولة الاحتلال واجب حماية المدنيين والتمييز بين المدنيين والعسكريين، والحماية التي يؤكدها البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الذي يؤكد على الصفة المدنية للصحافيين وواجب احترامهم وتمتعهم بالحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني، وفقاً لنص المادة (79).

مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يجدد تضامنه مع الصحافيين الفلسطينيين والعاملين في حقل الإعلام في اليوم العالمي للتضامن مع الصحافي الفلسطيني، وإذ يثمن دورهم الكبير في الدفاع عن حقوق الإنسان وضحايا انتهاكاتها، وفضح جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة، وإذ يجدد استنكاره الشديد لجرائم استهداف الصحافيين الفلسطينيين وقتلهم واعتقالهم والتسبب بالأذى الجسدي والنفسي لهم، فإنه يطالب:

§    عموم الصحافيين والإعلاميين في أنحاء العالم، والمؤسسات الدولية المعنية بحماية الصحافيين والحريات الصحافية، إلى تعزيز تضامنهم مع الصحافيين الفلسطينيين والعاملين في حقل الإعلام في قطاع غزة، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، وتوجيه أنشطتهم لفضح انتهاكات قوات الاحتلال بحق العمل الصحافي وحرية الرأي والتعبير وجرائمه بحق الفلسطينيين.

§    المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف حرب الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة، ووقف انتهاكات مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني، وإنهاء الظروف غير الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع، وإنهاء جريمة التهجير القسري، ووضع حد لمعاناة السكان المدنيين في قطاع غزة.

§    المؤسسات الدولية المعنية بالصحافيين والحريات الصحافية، بالتحرك الفوري لوقف الانتهاكات بحق الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام، بما في ذلك تقديم الشكاوى إلى جهات الاختصاص الدولية، ورفع القضايا على قادة وجنود قوات الاحتلال، واتخاذ التدابير اللازمة لملاحقة ومحاكمة كل من يشتبه في تورطهم بارتكاب جرائم حرب بحق الصحافيين، وإنهاء الحصانة التي يتمتعون بها والعمل على ضمان عدم إفلاتهم من العقاب.

§    المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، لا سيما الصحافية منها، باتخاذ التدابير الفورية التي من شأنها توفير الحماية للصحافيين والمدنيين، وإجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي على احترام شارة الصحافة، ودعم ومساندة الصحافيين الفلسطينيين العاملين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

§    المؤسسات الصحافية الدولية بالتحرك العاجل والحثيث لضمان الإفراج عن الصحافيين الفلسطينيين والعاملين في حقل الإعلام، الذين اعتقلوا تعسفياً على خلفية عملهم الصحافي، وفضح ما تعرضوا له من تعذيب جسدي ونفسي.

§    تشكيل لجنة تحقيق دولية متخصصة ومستقلة، للوقوف على حجم وأبعاد الجرائم الموجهة ضد الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام في الأراضي الفلسطينية وخلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والعمل على ضمان محاسبة من ارتكبوا أو أمروا بارتكاب هذه الجرائم وعدم إفلاتهم من العقاب.



* تقصد الورقة بالصحافيين والعاملين في حقل الإعلام: أعضاء نقابة الصحافيين الفلسطينيين، أعضاء الأطر الصحافية، كتاب أعمدة الرأي، الباحثين في مجال الإعلام، المصورين الصحافيين، موظفي دوائر الإعلام في المؤسسات الرسمية والأهلية، فنيي الإنتاج والإخراج والصوت والصورة، العاملين في الإعلام الرياضي، العاملين في إدارة وسائل الإعلام، والنشطاء الناشرين على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك في حقل الإعلام المرئي، والمسموع، والمقروء، والإلكتروني.

[1] وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، غوتيريش ينتقد منع الصحفيين الدوليين من دخول غزة، نشر بتاريخ 9/4/2024، الرابط: https://wafa.ps/Pages/Details/93285

* اعتمدت الورقة على معلومات من مصادر مختلفة كنقابة الصحافيين الفلسطينيين، المكتب الإعلامي الحكومي، وزارة الثقافة الفلسطينية، اتحاد الإعلام الرياضي الفلسطيني، ورصد باحثو المركز، وتختلف الأرقام المعلنة في الورقة عن الأرقام الصادرة عن الجهات المختلفة لكونها تصدر عنها منفردة.

* لا تتوفّر إحصائيات دقيقة حول أعداد الصحافيين والإعلاميين الجرحى، بسبب عدم تصنيفهم عند دخولهم للعلاج في المستشفيات، ولكن المؤكد أن هناك المئات منهم، وستبين عمليات التوثيق النهائي بعد انتهاء الحرب حقيقة الأرقام.

[2]  مقابلة مع إسماعيل الثوابتة، مدير عام مكتب الإعلام الحكومي بغزة، بتاريخ 23/9/2024.