رسائل و مناشدات

رسالة إلى ممثلي البعثات الدبلوماسية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية حول آثار خطة الانفصال أحادي الجانب من قطاع غزة

    شارك :

8 سبتمبر 2005

السادة ممثلي البعثات الدبلوماسية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية: إننا في مركز الميزان لحقوق الإنسان نخاطب سيادتكم في الوقت الذي تباشر فيه إسرائيل عملية فك الارتباط مع قطاع غزة المحتل، وذلك لتوضيح وجهة نظرنا حول هذه الخطوة وتأثير مضمونها على عملية السلام وبشكل أوسع على مستقبل الفلسطينيين والإسرائيليين.
لابد من استيعاب خطة فك الارتباط بكليتها وبجميع مظاهرها، ويتطلب ذلك فحص شروط وطبيعة، وكذلك مضمون سياق هذه الخطة.
لا يمكن فصل غزة عن الضفة الغربية، وما يحدث في غزة يجب أن ينظر إليه في سياق ما يجري في الضفة الغربية.
أولا، لابد من فهم خطة فك الارتباط على أنها خطوة احادية الجانب بالرغم من النقاشات الخاطفة المحكومة بالتطورات التي أجريت مع الجانب الفلسطيني.
إلا أنه لا يمكن الجزم بأنها عملية ثنائية الجانب، بل على العكس يعتبر فك الارتباط استمراراً لسياسة إسرائيل الأحادية في 'خلق الحقائق على ارض الواقع'.
هذه السياسة التي أدت إلى بناء المستوطنات في غزة وتؤدي اليوم إلى إزالتها.
ليس من الحكمة أن نفترض اتخاذ إسرائيل لهذه الخطوة دون حصولها على مكافأة أو ربح بالمقابل، وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن الانسحاب من غزة مع استمرار بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات هناك، بل وليس من المفاجئ كذلك ماجاءت به تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون أن مستوطنة أرئيل ستبقى جزءاً من إسرائيل إلى الأبد رغم استمراره بتنفيذ عملية فك الارتباط من غزة.
هناك 'عملية' يتم تنفيذها، استراتيجية يجري العمل بها بينما يقال للجمهور الإسرائيلي، مع استمرار فك الارتباط، أن غزة هي الثمن الذي دفعته إسرائيل مقابل غنيمة أكبر، وهي الضفة الغربية.
وتؤكد هذه الحقيقة التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الاسرائيلي عن نيتة في استمرار توسيع مستوطنة معاليه ادوميم حتى يتم ربطها بمدينة القدس.
كما تتجلى هذه الاستراتيجية بوضوح في نص خطة فك الارتباط، الذي يعطي رؤية واقعية حول المعنى العملي لهذه العملية.
ويؤكد النص فيما يتعلق بالضفة الغربية أنه 'من الواضح أنه في الضفة الغربية سوف تبقى مناطق جزءاً من دولة إسرائيل، بما في ذلك مراكز السكان الاسرائيلية الرئيسية من مدن وقرى، ومناطق أمنية، بالإضافة الى مناطق ذات اهتمام خاص لإسرائيل'.
وبينما يكشف نص خطة فك الارتباط عن نية اسرائيل في الإبقاء على سيطرتها على مناطق واسعة في الضفة الغربية على الاقل، فإن الخطة تقوض الادعاء بأن غزة لن تصبح غزة أرض محتلة بعد الانتهاء من فك الارتباط.
تنص الخطة على أن إسرائيل ستحتفط 'بسلطة حصرية' على المجال الجوي لغزة، وكذلك بحقها في تسير دوريات على طول ساحل قطاع غزة، بالإضافة إلى حق إسرائيل الأساسي في الدفاع عن النفس، سواءً كان وقائياً أو رجعياً، ويشمل ذلك اللجوء إلى القوة.
وبفحص على أساس المعايير القانونية الدولية للسيادة فإن حالة غزة ستفشل، ولن يكون الادعاء بأنها تحت السيادة الفلسطينية صحيحاً.
من الواضح أنه بعد الانتهاء من خطة فك الارتباط ستبقى إسرائيل قوة احتلال، مع كل المسؤوليات المترتبة على هذه المكانة.
لا يمكن التغاضي عن النتائج المادية المترتبة على خطة فك الاتباط.
بالرغم من طبيعتها غير الصادقة فإن الفرصة التي تخلقها لتحسين الحركة داخل قطاع غزة مرحب بها.
إلا أن الوضع الاقتصادي في غزة بات متردياً، حيث يؤكد البنك الدولي أنه ما لم تطرأ تغييرات جدية على السيطرة الإسرائيلية الحالية على الحدود، وتراجع إسرائيل عن قرارها بمنع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل ابتداءا من العام 2008، فإن اقتصاد قطاع غزة سوف ينهار كلياً.
ولسوء الحظ سوف سيتمر اعتماد الوضع الاقتصادي في غزة بشكل كبير على إمدادات الممولين الأجانب، حيث أنه بدون استمرار مستويات التمويل الحالية على الأقل من المحتمل أن تعاني غزة لفترات طويلة من مستقبل يغلب عليه التراجع الاقتصادي المستمر.
ولكن بينما يحتاج الفلسطينيون للدعم المادي الدولي، فإن المال وحده لن يفضي إلى حل نهائي للصراع.
لطاما فضل المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي بدلا من الدعم السياسي، هذا التوجه الذي من شأنه فقط أن يؤدي إلى استمرار الصراع في حين يبقى الفلسطينيون دائما على شفير الهاوية.
إنه من المحتم أن ينخرط المجتمع الدولي بتدخل سياسي على أكبر، وأن يضغط على إسرائيل الالتزام بواجباتها، والتأكد من أن الانسحاب من غزة هو أول انسحاب من الأراضي الفلسطينية، ولكنه لن يكون الأخير.
لم تكن عملية فك الاتباط ذاتها أمراً سهلاً على الفلسطينيين، فقد قسمت قوات الاحتلال غزة إلى منطقتين عبر إغلاق حاجز أبوهولي، بينما فرضت إغلاق كامل على سكان المعازل، حيث تحتم على سكان كل من مناطق المواصي، والسيفا والمعني تحمل المعاناة أثناء وجود المستوطنين وعند خروجهم من غزة على حد سواء.
بالنسبة الى هؤلاء الفلسطينيون، وغيرهم بالتأكيد، ممن تحملوا عواقب وجود المستوطنين – أولئك الذين احتلت منازلهم وقتل القناصة المتمركزين في مواقع حول المستوطنات أطفالهم- من المحتم أن يكون الانسحاب خطوة أولى ضمن سلسلة انسحابات لاسترجاع الاراضي الفلسطينية للشعب الفلسطيني لكي يتمكن من بناء دولته.
وبينما نتقدم للأمام فإنه ن من المهم أن لا ننسى أخطاء الماضي، وبشكل خاص عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت أثناء عملية 'أوسلو'، حيث يجب أن تأخذ عملية استرجاع الاراضي طابعاً جدياً وأن تكون حقيقية، بحيث لا تكون مقيدة بأية تحفظات ومؤهلات تسمح باستمرار بناء وتوسيع المستوطنات واستفحال ظاهرة الحواجز والاجتياحات العسكرية المدمرة التي رافقت الانتفاضة.
لقد علمتنا السنوات الخمس الماضية بشكل خاص – إضافة الى سنوات فشل عملية السلام قبلها - أن أي محاولة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن تُؤَّسَس على قواعد القانون الدولي ومبادئ العدل والمساواة.
يجب أن تجري المفاوضات بين طرفين متساويين يتمتع كل منهما بالاحترام والكرامة المتساوية.
ففي نهاية الأمر هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها لدولتين – تتعامل كلٌ مع الأخرى باحترام وكرامة - توريث مستقبل سلام وأمن لأطفالهما.
انتهى مركز الميزان لحقوق الانسان