تقارير و دراسات

ورقة موقف: المنخفض الجوي يكشف عن الحاجة الماسة لتدخل المجتمع الدولي لإعادة تأهيل البنية التحتية وتطويرها في قطاع غزة

    شارك :

20 يناير 2022

تعرض قطاع غزة لمنخفض جوي وتسببت غزارة الأمطار في غرق أكثر من منطقة سكنية في قطاع غزة، وكشفت المشاهد الصادمة عن الحاجة الماسة لتدخل دولي عاجل لإعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية. مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يعبر عن قلقه الشديد للمعاناة الإنسانية التي يدفعها السكان في قطاع غزة ولاسيما الفقراء منهم، فإنه يدعو المجتمع الدولي والمانحين إلى المسارعة لتطوير البنية التحتية وتجنيب سكانها مزيد من الويلات الإنسانية، ومنع تكرار استهداف البنية التحتية في القطاع.

 

وبحسب المعطيات الميدانية فقد غرقت أحياء من محافظة غزة وشمال غزة صباح السبت ومساء الأحد الموافقين 15-16/1/2022، جراء هطول الأمطار بغزارة وبشكل شبه متواصل على مدار ثلاثة أيام، يذكر أن المنخفض بدءا من مساء الجمعة الموافق 14/1 ، إذ وصل ارتفاع المياه في بعض المناطق إلى حوالي متر بحسب ملاحظات الباحثين الميدانيين.

 

وبحسب المعلومات الميدانية، فإن مناطق من أحياء الرمال والزيتون والشجاعية والنصر والشيخ رضوان في مدينة غزة غمرتها مياه الأمطار، وحاصرت المياه بعض المدارس والمنازل ما دفع الأطفال للخوض في برك المياه للخروج من المدرسة والوصول إلى المنزل. كما غمرت المياه مناطق من أحياء في بلدة بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا في شمال غزة، ونفذت إلى منازل المواطنين وممتلكاتهم، ما ألحق أضراراً في بعضها، ونزوح العشرات من سكان بعض المناطق لا سيما المنطقة الأمريكية غرب بلدة بيت لاهيا، حيث توجهوا لمدرسة الفردوس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بمحافظة شمال غزة.

 

تجدر الإشارة إلى أن الهجمات الحربية واسعة النطاق، التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي واستهدفت خلالها المدنيين وممتلكاتهم والأعيان المدنية والبنية التحتية من طرق وشبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، وشبكات تزويد المنازل بمياه الشرب والطاقة الكهربائية كالهجمات الحربية خلال عامي 2008-2009، وعام 2012، وعام 2014، والتي كان أخرها هجوم مايو/ أيار 2021 خلفت دماراً هائلاً في الأعيان المدنية، والبنية التحتية.

 

وبحسب وزارة الحكم المحلي، فقد ألحق الهجوم الحربي في مايو/ أيار أضراراً بحوالي (107كم) متر من خطوط شبكات الصرف الصحي، كما تضرر ما مجموعة (33 كم) من خطوط تصريف مياه الأمطار في مختلف محافظات قطاع غزة، وتضررت (15) محطة لضخ مياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى (4) أحواض لتجميع مياه الأمطار بشكل جزئي، كما ألحق القصف تدميراً واسعاً في آبار وشبكات مياه الشرب وخطوط النقل الرئيسية، ما فاقم من أزمة الحصول على كميات كافية ومأمونة من مياه الشرب. حيث تضرر ما يقارب (14,000) متر من شبكات المياه الرئيسية في مختلف محافظات القطاع، وتوقفت (5) آبار رئيسية بشكل كامل، وتضرر حوالي (50) بئر بشكل جزئي، كما توقفت (3) محطات تحلية عن العمل إحداها بشكل كامل في محافظة غزة، وجزئياً في محافظتي دير البلح وخان يونس، وأسفر ذلك عن انخفاض إمدادات المياه المنزلية بنسبة (30%).[1] كما أثرت الهجمات على التربة وجعلتها غير متماسكة ما سهل حدون انهيارات في الطرق بالإضافة لاستهداف مناهل تجميع مياه الأمطار بما فيها المنهل القريب من مدرسة مصطفى حافظ التي كانت مشاهد غرق تلاميذها صادمة. واستهدفت قوات الاحتلال خلال هجماتها الحربية المتكررة مقرات ومعدات المجالس المحلية (البلديات) التي تشكل خدماتها عنصراً أساسياً لا غنى عنها لحياة السكان.

 

وتعاني بلديات قطاع غزة من أثار التدمير الذي يلحق بمرافقها ومعداتها وبالنيية التحتية، في ظل تحديات تفوق طاقاتها، فهي من جهة تعاني من أزمات مالية خانقة تحول دون قدرتها على دفع أجور موظفيها على مدى السنوات المنصرمة ولا تتوفر لديها إمكانيات لتطوير البنية التحتية. وهنا تجدر الإشارة إلى آثار الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة الذي حول أكثر من نصف السكان ليصبحوا فقراء وحرم أكثر من نصف القوى العاملة من فرص العمل وبالتالي حال دون قدرة السكان على الوفاء بالتزاماتهم المالية المستحقة للبلديات ما أدخلها في أزمة مالية عميقة تحول دون قدرتها على التصدي لمشكلات البنية التحتية في نطاقها الجغرافي.

 

هذا وبالإضافة للهجمات الحربية التي تدمر أجزاء واسعة من البنية التحتية، فإن البلديات تواجه تحدي تقادم شبكات الصرف الصحي ومياه الأمطار ومياه الاستخدام المنزلي، فهي في بعض المناطق أنشأت منذ سبعينات القرن الماضي ولم تخضع لتطوير يستجيب للزيادة السكنية. كما أن البطالة والفقر كان لهما بالغ الأثر السلبي على موارد البلديات في ظل عدم قدرة غالبية السكان في غزة على تسديد مستحقات البلديات لقاء الخدمات التي تقدمها، وسبق للبلديات وأن أعلنت عشرات المرات عن تراكم الديون على كاهلها لدرجة تحول دون تسديد أجور عامليها، بالرغم من ديونها المتراكمة على السكان ما يحول دون قدرتها على مجرد التفكير في مشاريع تطويرية شاملة للبنية التحتية.  يذكر أن ديون بلدية غزة على السكان بلغت حوالي (833) مليون شيكل، فيما الديون المستحقة على البلديات بما فيها أجور عامليها المتأخرة بلغت (307) مليون شيكل، وهذا وفقاً لتقرير عام 2020.

 

ويجدر التذكير أن كل ما جرى من صيانة بعد هجمات مايو/ أيار كانت محدودة جداً ولم ينفذ أي مشروع لإعادة ترميم أو تطوير البنية التحتية.

 

كما تجدر الإشارة إلى أن عشرات التصريحات صدرت عن وزارة الحكم المحلي واتحاد البلديات والبلديات فرادي للتحذير من كارثة إنسانية في حال كان فصل الشتاء غزير الأمطار لأن ما أصلح هو ما كان ظاهراً للعيان من أضرار جراء القصف ولكن تقادم الشبكات وعنف الهجمات يشير إلى وقوع أضرار عميقة في خطوط تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، وهي أضرار لا تستطيع البلديات بإمكانياتها القائمة كشفها. وفيما لو كشفت فليس لديها القدرة لصيانة كيلومترات من الأنابيب في ظل الضعف المالي الذي تعانيه البلديات، وحظر سلطات الاحتلال دخول المعدات والمواد الضرورية للعمل في سياق الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة وتحظر دخول الكثير من المواد بما فيها الأنابيب متذرّعة بازدواجية الاستخدام. 

 

ويجدر التذكير بأن الهجمات الحربية التي طالت الطرق كانت تحدث حفراً عميقة، وتسببت في إزالة بنايات بسبب تضرر أساساتها، بالرغم من أنها لم تتعرض لقصف فقط جراء الهجمات التي طالت مفترقات الطرق، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بحجم ضرر كبير وغير مرئي.

 

يذكر أن المجتمع الدولي على الدوام كان يتجاهل ضمان جبر الضرر ويركز على ما يسمى إعادة بناء ما دمره الاحتلال، كما يتجاهل المناشدات المتكررة بأهمية تطوير البنية التحتية، ما شجع سلطات الاحتلال على تكرار هجماتها، التي تتكرر مع استمرار الحصار المشدد المفروض على قطاع غزة والتي تتفاقم تداعياته الكارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع.

 

مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ قلقه الشديد لاستمرار معاناة أكثر من مليوني فلسطيني هم سكان قطاع غزة، الذين يجدون أنفسهم هدفاً لهجمات حربية منظمة، ويخضعون لحصار جائر يشكل جريمة حرب، ويتحملون كلفة إنسانية كبيرة لاستمرار الحصار سواء في تداعياته السلبية على مستوى الخدمات العامة، أو في توسيعه نطاق ظاهرتي البطالة والفقر وتوسيع انعدام الأمن الغذائي.

 

وبعد كل هجوم حربي واسع كانت الدول تدعو لترميم وإعادة بناء ما دمره الاحتلال ولم تبذل جهداً جدياً لتوفير الحماية للمدنيين والأعيان المدنية، كما تجاهل المجتمع الدولي مسئولياته في الملاحقة والمسائلة عن الانتهاكات الخطيرة والمنظمة التي ترتكبها قوات الاحتلال ما عزز شعورها بالحصانة.

 

وعليه فإن مركز الميزان يدعو المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة ووكالات الأمم المتحدة إلى العمل على تجديد وتطوير البنية التحتية في قطاع غزة، ودعم قدرات البلديات، لتجنيب السكان معاناة إنسانية يمكن تجاوزها. كما يشدد مركز الميزان على أن الحصانة التي تتمتع بها سلطات الاحتلال وقواتها أسهمت في استمرار الانتهاكات الجسيمة والمنظمة لقواعد القانون الدولي، والتي تتسبب في تدمير ما يستثمر من أموال المانحين في مبادرات إعادة الإعمار، وعليه فإن مركز الميزان يطالب:

  • العمل على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة بأسرع وقت، كونه يشكل جريمة حرب، ويظهر السياسة العنصرية التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق سكان قطاع غزة وفي انتهاك جسيم ومنظم لقواعد القانون الدولي.
  • الحد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في قطاع غزة، والتي يشكل الحصار أحد أهم محركاتها، لأن من شأن إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية أن ينعكس بشكل مباشر على شكل الحياة في قطاع غزة وتمتع سكانه بحقوقهم
  • العمل على إطلاق مشاريع تنموية تطور البنى التحتية في القطاع لتجنب الأزمات الإنسانية وفي الوقت نفسه تساعد كل مبادرات تطوير الخدمات العامة والنشاطات الاقتصادية استجابة للزيادة السكانية ولتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية.
  • العمل على إطلاق مبادرات تشجع وتدفع عجلة الإنتاج الاقتصادي، بما يكفل توفير فرص عمل، لأن حصول المواطن على فرصة عمل يساهم في تعزيز موارد البلديات عن رسوم الخدمات المختلفة.

 

انتهى

 


[1] مقابلة أجراها باحث المركز مع م. أحمد جبر- وزارة الحكم المحلي خلال شهر ديسمبر 2021