تقارير و دراسات

واقع الحق في السكن الملائم: الأبنية متعددة الطبقات نموذجاً

    شارك :

30 أكتوبر 2004

تعتبر حقوق الإنسان وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة أو الانتقاص ، ومن بين تلك الحقوق الأساسية الحق في السكن الملائم.
وقد أقرت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بحق كل إنسان في سكن مناسب، وليس أدل على ذلك ما ورد في المادة 11(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تنص على إقرار الدول ' بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية'.
إن الحق في السكن الملائم، يتسم بأهمية أساسية بالنظر لعلاقته بالتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الحقوق.
والحق في السكن الملائم لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عن سائر حقوق الإنسان المبينة في العهدين الدوليـين الخاصين بحقوق الإنسان وغيرهما من الاتفاقيات الدولية، فهو مرتبط بحق الشخص في أن يختار بحرية إقامته، كما أن الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات العامة هو أمر لا غنى عنه إذا ما أريد إعمال الحق في السكن الملائم والمحافظة عليه لصالح جميع الفئات في المجتمع.
وبالمثل، فان حق الفرد في ألا يخضع لأي تدخل تعسفي أو غير مشروع في خصوصياته أو خصوصيات أسرته أو منزله أو مراسلاته يشكل بعدا بالغ الأهمية في تعريف الحق في السكن الملائم.
فالإنسان لا يستطيع السعي إلى تحقيق كافة حقوقه دون أن يتوفر له السكن الملائم، الذي لا يعني مجرد وجود مكان له سقف وجدران وباب ، بل يرافقه العديد من المرافق والخدمات الضرورية، كتوفر مياه الشرب، والتيار الكهربائي، وأماكن مناسبة للترفيه، والقرب من أماكن تلقي الخدمات العامة، كالصحة والتعليم، بما يتيح للإنسان ممارسة حياته بشكل اعتيادي.
إن مسألة توفير السكن للمواطنين يتطلب تدخل الدولة الفاعل وعلى كافة المستويات لاسيما التشريعية .
تنص المادة 2 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية على ' ضرورة أن تتخذ الدول، بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، ولاسيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصاً سبيل اعتماد تدابير تشريعية'.
إنّ أولى المهمات لإعمال الحق في السكن هي اعتراف الحكومات بهذا الحق واحترامه، والعمل على تعزيزه، وحمايته، عبر إصدار التشريعات اللازمة لذلك، والعمل على تنفيذه.
تبنى القانون الأساسي الفلسطيني الحق في السكن إذ تنص المادة (23) منه على أن 'المسكن الملائم حق لكل مواطن، وتسعى السلطة الوطنية الفلسطينية لتأمين المسكن لمن لا مأوى له'.
وكمساهمة في حل المشكلة الإسكانية المتفاقمة في غزة، شجعت السلطة الوطنية الفلسطينية سياسة بناء الأبراج السكنية لحل مشكلة السكن في محافظات غزة، كما أسهمت استثمارات القطاع الخاص بدور رئيس في هذه السياسة، إذ شرع الكثير من المستثمرين في بناء أبراج سكنية، هذا بالإضافة إلى نظام جمعيات الإسكان، الذي عملت به وزارة الأشغال العامة والإسكان، من أجل توفير المزيد من الوحدات السكنية لذوي الدخل المتوسط، كالجمعيات التي أنشأها العاملين في المؤسسات الحكومية، والنقابات، والعديد من القطاعات المهنية.
وفي نفس الوقت تولت وزارة الإسكان تنظيم ما يتعلق بتقليص الفجوة بين العرض والطلب الخاص بالسكن من خلال منح الأراضي وطرح الشقق السكنية وفق معايير محددة، كما أولت اهتماماً واسعاً بتشجيع الجمعيات التعاونية الإسكانية من خلال توفير الأراضي والتسهيلات الأخرى لتنفيذ مشروعاتها، وانتهجت وزارة الإسكان سياسة تشجيع بناء المساكن العالية (الأبراج) لحل مشكلة السكن.
ومن خلال تطبيق هذه السياسة ظهرت العديد من المشاكل أثناء وبعد تنفيذ مشاريع الإسكان المختلفة، في غياب قانون ينظمها، وما ترتب على ذلك من إهمال في توفير عناصر الأمن والسلامة في تلك الأبنية، ومنها ما يرتبط بالتخطيط الحضري، ومنها ما نشأ عن ضعف المتابعة والرقابة من جهات الاختصاص، وأخرى بسبب عدم ملاءمة هذا النوع من الأبنية لمكونات البنية التحتية التي تتصف بالضعف والتهتك.
تلك المشكلات دفعت باتجاه بروز العديد من المشاكل الإجرائية، سواء مع بعض جهات الاختصاص، أو مع المستثمرين أنفسهم، أو مع مجالس الإدارة في البنايات.
تستعرض هذه الدراسة أبرز المشكلات ذات العلاقة بالأبنية متعددة الطبقات، و مدى مطابقتها لشروط السلامة، والأمن والصحة، و ملاءمتها لثقافة السكن المشترك السائدة لدى سكان محافظات غزة، إضافة إلى معالجة المشكلات الأخرى.
تأتي الحاجة إلى تحليل واقع الأبنية متعددة الطبقات لتحديد أنسب الآليات للتعامل مع تلك المشكلات وتقديمها لصانعي القرار، وجهات الاختصاص لأخذها بعين الاعتبار عند الشروع في بناء الخطط والبرامج الرامية إلى تنمية وتطوير قطاع السكن بهدف تكييفه مع معايير السكن المناسب، حسب القوانين الدولية المتعلقة بالحق في السكن الملائم، خاصة وأن العديد من خبراء السكن يؤكدون على الأبنية متعددة الطبقات تمثل الحل المستقبلي لاستيعاب السكان المتزايدين بصورة كبيرة في قطاع غزة.