تقارير و دراسات

ورقة موقف: بخصوص تحصين نتائج الثانوية العامة من الطعن

    شارك :

12 يوليو 2017

من المبادئ المتعارف عليها في القانون أن يكون هناك مسلكاً وبديلاً يلجأ إليه المتضرر عندما تتخذ الإدارة العامة قرارات تمس الأفراد، بهدف إعادة النظر فيه وتفحص مدى صحته، فإن أبت هذه الجهة يبقى باب القضاء مرجعاً آخر. وعلى هذا الصعيد تشكل نتائج الثانوية العامة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي شكل من أشكال القرارات كونها تحمل في طياتها سياسات واستراتيجيات وإجراءات وضوابط إدارية تقوم بها الوزارة والجهات المسؤولة. هذا ويتحدد مصير الطالب في  الأراضي الفلسطينية بناءً على اجتياز الامتحان في المراحل الدراسية، وتتضاعف أهمية نتيجة الامتحان عندما يتعلق الأمر بامتحان الثانوية العامة كونه المعيار الوحيد للتنسيب للتعليم العالي، فنظام التعليم يعتمد على الاختبارات المدرسية كونها الوسيلة الرئيسية لتقويم الطلاب من الناحية التحصيلية، ويتم تصميم الاختبارات للكشف عن درجات نجاح المتعلم، وهي عملية تعتمد دقتها على عوامل كثيرة من بينها قدرة القائمين على القياس وخبرتهم والظروف وعناصر البيئة المحيطة بهم. وبالنظر إلى أن النتائج في الثانوية العامة تلعب دوراً مهماً ودرجة عالية من الأهمية كونها تحدد مصير الطلاب الراغبين في الالتحاق بالجامعات وتحديد الجامعة، والتخصص الدراسي، بل هي من يقرر مستقبل الطالب برمته، فقد يرى بعض الطلاب أن الدرجات التي تحصلوا عليها لا تتفق مع تفوقهم الدراسي ومع كمية المعلومات والبيانات التي سطروها في معرض إجابتهم في أوراق الإجابة، ومن هذا المنطلق يصبح من الضروري إفساح المجال أمام الطالب كي يلجأ حال شعر بالفرق بين ما يتوقعه ويتنبأ به وبين النتيجة الحقيقية بعد تصحيح دفتره أن يراجع الدائرة المختصة لإعادة التصحيح وإنصافه فإن كان يستحق درجات إضافية تضاف، ويتم تثبيت العلامة حال حصل عكس ذلك.

وتجدر الإشارة أن هذا لا يتعارض مع الجهود الجبارة والمثمرة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم العالي لصالح طلاب الثانوية العامة، فهي المبادر الأول في بناء العقول البشرية من خلال تحديد السياسات التعليمية التربوية الملائمة في كل المراحل والظروف ووضعها موضع التنفيذ، وعلى عاتقها يقع العمل الحثيث من أجل النهوض بالمسيرة التعليمية وتحقيق الأهداف المجتمعية والتعليمية وإعداد طلاب مهيئين لبناء المجتمع.

ولاستكمال جهود وزارة التربية والتعليم والحرص على نجاح انتهاء المرحلة الثانوية للطلبة  يستوجب احترام كل الخيارات وتوفير جميع الضمانات ليعبر الطلاب عن وجهات نظرهم وتظلماتهم خاصة أن عملية التصحيح في ظل الظروف الراهنة المعقدة قد لا تخلو من نسبة من الخطأ.

بناءً على ما سبق، تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على التحصين القانوني لنتائج الثانوية العامة ومنع الطعن فيها من خلال استعراض المواد القانونية والمبررات بالإضافة إلى المعالجة القانونية لهذه المواد كما تقدم الورقة مجموعة من التوصيات، وذلك على النحو الآتي:

 

أولا: المواد القانونية والمبررات

ندرك أهمية وإلزامية القانون الذي يحكم النظام التعليمي ويحدد علاقته بالمجتمع، حيث أن النظام التعليمي أداة تتحكم به وتنظمه السلطة الحاكمة والجهات المسؤولة لتحافظ على الاستمرار والتقدم العلمي، بما يلائم مستقبل الدولة والمواطن، (ومع تحفظنا على سن القوانين في فترة الانقسام)، نستعرض المواد القانونية الخاصة بموضوع تحصين نتائج الثانوية العامة من الطعن، حيث ورد في المادة رقم (39) فقرة رقم (3) من قانون التعليم رقم (1) لسنة (2013م) الصادر عن كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي بغزة. ما يلي " تكون لنتائج امتحان (شهادة دراسة الثانوية العامة) قوة الأحكام القضائية الباتة غير القابلة للطعن".([1]) وفي السياق نفسه جاء في القرار بقانون بشأن التعليم لسنة (2017م) الصادر عن الرئيس محمود عباس والمطبق بالضفة الغربية في المادة رقم (12) فقرة رقم (2) ما يلي" تعتبر نتائج امتحان الثانوية العامة قطعية، ولا يجوز الطعن بها أمام المحاكم"([2]).

ووفقا للمبررات التي تسوقها وزارة التربية والتعليم العالي بشأن ذلك هو أن نسبة الخطأ في نتائج الثانوية العامة هي (0%) وبالتالي لا داعي لفتح باب التظلمات وخلق حالة من الإرباك وعدم الاستقرار التعليمي، خاصة وأن الأساليب والأنظمة المتبعة أثناء إجراء وتصحيح وإدخال نتائج الثانوية العامة تضمن حصول الطالب على حقه دون أي نقص أو خطأ ([3]).

 

ثانيا: المعالجة القانونية (الموقف القانونية)

بالرجوع إلى الأسس والضوابط القانونية نجد بأن هاتين المادتين الواردتين في قانون التعليم رقم (1) لسنة (2013م)، والقرار بقانون بشأن التعليم لسنة (2017م) وهما المعمول بهما في كل من قطاع غزة والضفة الغربية قد انطوت على مخالفة للحقوق الدستورية التي كفلها القانون الأساسي المعدل على النحو التالي:

تحصين نتائج التوجيهي ومنع الطعن بها هو بمثابة إهدار لمبدأ سيادة القانون والمشروعية، حيث تعارضت المادتين مع القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لاسيما ما جاء في المادة (30) فقرة (2) "يحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء “.

اعتبار النتائج لها قوة الأحكام القضائية ومنع الطعن بها أمام المحاكم مصادرة لمبدأ الحق بالتقاضي، حيث أغفل حق التقاضي ودور الجهات القضائية الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية وحرمت المواطن من حقه في التقاضي وهذا خلافا لما جاء في المادة (30) فقرة (1) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل " التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل فلسطيني حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعي "

المبرر أو المسوغ القانوني الذي قدمته وزارة التربية والتعليم العالي لا يستوي والمنطق حيث أن الظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وسكان قطاع غزة بشكل خاص (جراء استمرار الحصار، وأزمة التيار الكهربائي، وشح الموارد واللوجستيات) هي بمثابة عوامل قد تساهم في وجود نسبة خطأ إن لم يكن في التصحيح فيكون في عملية إدخال البيانات والعكس صحيح حيث أن هناك هامش خطأ في أي عملية احصائية أياً كانت النسبة ضئيلة.

كما تجدر الملاحظة أن قيام وزارة التربية والتعليم العالي بالمراجعات لدفاتر الطلاب الذين تثير نتائجهم الشك بشكل كبير غير مكلف مقارنة مع الأهداف السامية للعملية التعليمية، وضمان حق الأفراد في التظلم.

وضرورة التأكيد على أهمية توفير أجواء مناسبة، ولوجستيات كافية للمصحح والمختصين بالإدخال المحوسب تضمن تجاوز الأزمات التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتخفيف عن الطواقم المختصة تحديداً مع استمرار أزمة الكهرباء، وأزمة الرواتب حتى لا تتأثر عملية التصحيح والإدخال المحوسب في ظل وجود هامش للخطأ دائماً في أي عمل بشري. ونذكر في ذلك سابقة مهمة للقضاء المصري تؤيد ما ذكر حيث جاء في حكم الدعوى الخاصة بطعن إحدى الطالبات على نتيجة الامتحان الخاصة بها في الثانوية العامة للعام (2015-2016م)، حيث قضت المحكمة بتحديد (10) ورقات يومياً لمصححي الثانوية العامة، وإلزام وزير التربية والتعليم بتسكينهم في فنادق تأكيداً على أهمية توفير الظروف والاجواء المناسبة للمصححين لجهة تحقيق الهدف وهو تقليل هامش الخطأ قدر المستطاع.([4])

 

الخلاصة والتوصيات:

يرى مركز الميزان أن القواعد القانونية التي حصنت نتائج الثانوية العامة في فلسطين كانت بمثابة تعدي على حقوق دستورية مكفولة بموجب القانون الأساسي الفلسطيني وتعديلاته بل أكثر من ذلك هو مصادرة للحق في التقاضي والحق في خضوع القرار الاداري للرقابة القضائية.

عليه يطالب مركز الميزان لحقوق الانسان بما يلي:

  1. إلغاء فقرة (3) من نص المادة (39) في قانون التعليم رقم (1) لسنة 2013، والفقرة (2) من المادة (12) من القرار بقانون بشأن التعليم 2017 لتعارضهما مع المادة (30) من القانون الأساسي الفلسطيني.
  2. سن آلية واضحة تضمن للطالب حقه في التظلم والطعن بنتائج الثانوية العامة، مقيدة بشروط تضمن وتحافظ على استقرار العملية التعليمة.
  3. الاهتمام باللوجستيات والأمور الفنية لعملية التصحيح والمصحح والإدخال المحوسب.

 

انتهى

 

 

 

[1] فلسطين، قانون التعليم رقم (1) لسنة 2013م، المجلس التشريعي الفلسطيني-غزة. الموقع الإلكتروني https://goo.gl/mTn3Rw

[2]  فلسطين، رام الله، قرار بقانون لسنة (2017م) بشأن التربية والتعليم العام، الصادر عن الرئيس محمود عباس، وزارة التربية بوالتعليم-رام الله. الموقع الإلكتروني: https://goo.gl/QFk9Wn

[3]  يوسف، جمال، مدير دائرة الامتحانات-وزارة التربية والتعليم، قابلته، رنا المدهون، بتاريخ (10، يوليو،2017م)

[4] فارق، سامية، (2016م،2، يونيو). حكم قضائي تاريخي لصالح مصححي الثانوية العامة، صحيفة الوقد: عنوان الموقع: https://goo.gl/Egxens، تاريخ الاطلاع: (11، يوليو،2017م).